موقع الحاج ابومهندالسلامي النجفي
: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام 354088159

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع الحاج ابومهندالسلامي النجفي
: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام 354088159
موقع الحاج ابومهندالسلامي النجفي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 7:26 pm

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
هنا سنتابع حلقات في أمهات المعصومين 14 عليهم السلام وهو كتاب للإمام الراحل الشيرازي قدس سره
- الحلقة الأولى-
السيدة آمنة (عليها السلام) والدة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم
[b][size=18]النسب الشريف
[/size][/b]



هي السيّدة آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، والدة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، يجتمع نسبها مع عبد الله زوجها والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في كلاب، حيث إنّ أحد ابنيه قصي جدّ عبد الله، والآخر زهرة جدّ آمنة.



اُمّها: برة بنت عبد العزّى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب.



فكانت آمنة (عليها السلام) من بنات أعمام عبد الله (عليه السلام) .



فهي قرشية كلابية من الأبوين.



وقد تزوجها عبد الله وهو ابن ثلاثين سنة أو خمس وعشرين سنة.
الأصلاب الطاهرة




من معتقدات الشيعة الإمامية في المعصومين (عليهم السلام)أنهم لم يتنقّلوا إلا من صلب طاهر إلى رحم مطهّر، وذلك من أبينا آدم (عليه السلام) وأمنا حواء (عليها السلام) حتّى قدموا إلى هذه الحياة الدنيا.



فلا يمكن أن يودع المعصوم والعياذ بالله في صلب غير طاهر أو ليس بموحّد، أو أنّه يبقى في رحم غير مطهّر، وهذا ما دلّت عليه الروايات الشريفة:



فعن معاذ بن جبل أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنّ الله عزّوجلّ خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام».



قلت :فأين كنتم يا رسول الله؟



قال: «قدّام العرش نسبّح الله تعالى ونحمده ونقدّسه ونمجّده».



قلت: على أي مثال؟



قال: «أشباح نور حتّى إذا أراد الله عزّوجلّ أن يخلق صورنا صيّرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الاُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون، فلمّا صيّرنا إلى صلب عبد المطّلب أخرج ذلك النور فشقّه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثمّ أخرج النصف الذي لي إلى آمنة والنصف إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إليّ فخرجت منّي فاطمة، ثمّ أعاد عزّوجلّ العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعاً، فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن، وما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمّة من ولده إلى يوم القيامة»(1).



وقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم (عليه السلام) بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلى صلب آدم(عليه السلام) ثم نقلنا من صلبه إلى أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات».



فقلنا: يا رسول الله، فأين كنتم وعلى أي مثال كنتم؟



قال: «أشباحاً من نور تحت العرش نسبّح الله تعالى ونقدّسه ونمجّده».



ثمّ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا عُرج بي إلى السماء وعند سدرة المنتهى ودّعني جبرائيل(عليه السلام)، فقلت له: في هذا المكان تفارقني؟ فقال: إني لا أجوزه فتحرق أجنحتي».



ثمّ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «زجّ(2) بي في النور ما شاء الله، وأوحى الله تبارك وتعالى إليّ: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً، ثمّ أطلعت ثانية فاخترت منها علياً وجعلته وصيّك ووارثك ووارث علمك والإمام من بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرّية الطاهرة والأئمّة المعصومين خزّان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار، يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟



قلت: نعم.



فنوديت يا محمّد ارفع رأسك.



فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمّد بن علي وجعفر بن محمّد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمّد بن علي وعلي بن محمّد والحسن بن علي والحجّة بن الحسن يتلألأ وجهه من بينهم نوراً كأنه كوكب درّي، فقلت: يا ربّ ومن هؤلاء ومن هذا؟



قال: يا محمّد هم الأئمّة من بعدك المطهّرون من صلبك وهذا الحجّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين».



فقلنا: بآبائنا واُمّهاتنا يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لقد قلت عجباً.



فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وأعجب من هذا أنّ قوماً يسمعون منّي هذا الكلام ثم يرجعون على أعقابهم بعد إذ هداهم الله ويؤذونني فيهم، ما لهم، لا أنالهم الله شفاعتي»(3).



ونقرأ في زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أشهد يا رسول الله أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها»(4).



وكذلك في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)(5).



إلى غير ذلك من الروايات والزيارات الشريفة التي تنصّ على أنّ المعصومين(عليهم السلام)لا يودعون إلاّ في الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهّرة، مضافاً إلى بعض الشواهد التاريخية المؤيّدة لذلك.
نور النبوة




نقل المؤرخون أنّه كانت هناك امرأة تدعى فاطمة بنت مرّة قد قرأت الكتب واطّلعت على ما فيها من الوقائع المهمّة، وفي أحد الأيام التقت بعبد الله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت له: أنت الذي فداك أبوك بمائة من الإبل؟



قال: نعم.



فعرضت عليه نفسها ولو بالحرام مقابل أن تعطيه مائة من الإبل.



فتشاءم عبد الله منها وأنشأ يقول:



والحل لا حل فأستبينه ***أمّا الحرام فالممات دونه فكيف بالأمر الذي تبغينه



ثمّ إنّه ذهب مع أبيه فزوّجه آمنة بنت وهب، فبقي عندها يوماً وليلة، فحملت بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد ذلك رأته فاطمة بنت مرّة فلم تعرض عليه رغبتها الاُولى، فتساءل منها عن سبب إعراضها بعد رغبتها؟



فأجابته: بأنّ ماذا صنعت بعد ذهابك عنّا؟



فأجابها عبد الله: تزوّجت آمنة بنت وهب.



وعندها قالت:



لله ما زهرية(6) سلبت



ثوبيك ما سلبت وما تدري ثمّ قالت: رأيت في وجهك نور النبوّة فأردت أن يكون فيّ، وأبى الله إلاّ أن يضعه حيث يحبّ، ثمّ قالت:



بني هاشم قد غادرت من أخيكم



أمينة إذ للباه يعتلجان كما غادر المصباح بعد خبوه



فتايل قد شبّت له بدخّان وما كل ما يحوي الفتى من نصيبه



بحرص ولا ما فاته بتواني(7)



مكانة الهاشميين



على الرغم من أنّه كانت لبني هاشم عند العرب منزلة رفيعة جعلت كافّة القبائل في مختلف الأمصار تطمح في مناسبتهم ومواصلتهم منهم، إلاّ أنّ مثل عبد الله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي كان في جبينه نور النبوّة وعلى سيماه آثار الصلاح وسمات الأولياء التي لم توجد إلاّ عند الأنبياء وأوصيائهم (عليهم السلام)كان محط أنظار كافّة الناس الذين عرفوه واطّلعوا على جلالته وعظم شأنه.



فقد نُقل في الحديث أنّ عبد الله(عليه السلام) لمّا تزوّج السيّدة آمنة(عليها السلام) ماتت العديد من النساء حسرة.



وكما في التاريخ أنّه لمّا شبّ عبد الله تطاولت إليه أعناق الخطّاب، وبذلوا في طلبه الكثير من الأموال رغبة في تحصيل نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يكن في عهده أحد أجمل ولا أكمل منه، وكان إذا مرّ بالناس نهاراً يشمّون منه الروائح الطيّبة، وإذا مرّ بهم ليلاً أضاءت من أنواره الظلم، حتّى أنّ أهل مكّة سمّوه مصباح الحرم(8).



الملائكة تحرس عبدالله (عليه السلام)



بالإضافة إلى كل ما ذكرنا من الصفات الحميدة والخصال الحسنة التي جعلت الخطّاب يتنافسون من أجل الوصول إلى عبد الله (عليه السلام) إلاّ أنّ هناك حادثة خاصّة جعلت وهب بن عبد المناف يقدّم ابنته آمنة ويطلب بنفسه من عبد المطّلب أن يكون عبد الله صهراً له.



فقد نقل أنّ عبد الله لمّا ترعرع واشتدّ ساعده، ركب يوماً ليصيد، وقد نزل بالبطحاء(9) قوم من اليهود كانوا قد قدموا لقتل والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وإطفاء نور الله المودع في صلبه، فنظروا إليه فرأوا سمات الأنبياء (عليهم السلام)فيه فقصدوه وكانوا ثمانين نفراً حاملين السيوف، وكان والد السيّدة آمنة في نفس المنطقة يصيد وقد رأى اليهود قد احتوشوا عبدالله ليقتلوه، فأراد أن يدفعهم عنه وإذا بجمع من الملائكة معهم الأسلحة قد طردوهم عنه، فتعجّب من ذلك وجاء إلى عبد المطّلب وقال له: زوّج بنتي آمنة من عبد الله(10).
وهب يخطب عبد الله لابنته




في بعض التواريخ: إنّ اليهود لما عرفوا أنه سيخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من صلب عبد الله (عليه السلام) همّوا بقتل عبد الله(عليه السلام) فرآهم وهب بن عبد المناف في المعركة، فأتى الحرم المكّي وأخبر بني هاشم، فهبّوا مسرعين لإنقاذ عبد الله.



ولمّا رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك وتظاهروا أنّهم لم يقصدوا أذيته إلاّ أنّه لم يقبل منهم وطاردهم مع بني هاشم وتشابكوا معهم وقتلوا منهم قسماً والبقية أخذوهم إلى مكّة اُسارى وذلك لرغبتهم في إيصال بعض الأمانات التي كانت معهم إلى مكّة.



ثم أقبل عبد المطّلب (عليه السلام) إلى ولده عبد الله (عليه السلام) وقال له: يا ولدي لولا وهب بن عبد مناف أخبرنا بأمرك ما علمنا بأمرك ولكن الله تعالى يحفظك.



فلمّا أشرفوا على مكّة المكرّمة خرج الناس يهنّئونهم بالسلامة وإذا باليهود مقيّدين فأخذوا يرشقونهم بالحجارة، فقام عبد المطّلب وقال: أرسلوا بهم إلى دار وهب حتّى يستقصوا على أموالهم ولم يبق لهم شيء، فأرسلوهم إلى دار وهب.



وفي نفس الليلة أقبل وهب على زوجته برّة بنت عبد العزّى وقال لها: لقد رأيت اليوم عجباً من عبد الله ما رأيته من أحد، رأيته وهو يكرّ على اليهود كالليث، وكلّما رماهم بنبلة قتل منهم إنساناً، وهو أجمل الناس وجهاً، فامضي إلى والده واخطبيه لآمنة واعرضيها عليه، فعسى أن يقبلها، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة.



فقالت له: يا وهب إنّ رؤساء مكّة وأشراف العرب قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك، فكيف يتزوّج بابنتنا وهي قليلة المال؟



فقال لها: إنّ لي عليهم فضل حيث إنّني أخبرتهم بأمر عبد الله مع اليهود.



ثمّ إنّ والدة السيّدة آمنة خرجت إلى دار عبد المطّلب(عليه السلام)، فرحّب بها كثيراً وقال لها: لقد كان لزوجك اليوم علينا فضل لا نقدر أن نكافيه أبداً، وله أياد بالغة بذلك وسنجازيه بما فعل إن شاء الله تعالى، فاذهبي إليه وأبلغيه عنّا التحية والإكرام وقولي له: إن كانت له إلينا حاجة تُقضى إن شاء الله مهما كانت.



فاسترّت برّة وقالت: قد علمنا أنّ ملوك الشام والعراق وغيرهم رغبوا في ولدكم يطلبون أنواركم المضيئة ونحن أيضاً طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبد الله، وقد رجا وهب أن يكون عبد الله زوجاً لابنتنا، وقد جئناكم طامعين ونسألكم أن تقبلونا، فإن كان مالها قليلاً فعلينا ما نجمّلها به وهي هدية منّا لابنك عبد الله.



فلمّا سمع عبد المطّلب (عليه السلام) كلامها نظر إلى عبد الله وكان قبل ذلك إذا عرض عليه التزويج من بنات الملوك يظهر في وجهه الامتناع وقال له: ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فو الله ما في بنات أهل مكّة مثلها، فهي المحتشمة في نفسها، الطاهرة المطهّرة.



فسكت عبد الله (عليه السلام) ولم يجب.



فعلم عبد المطّلب (عليه السلام) أنّه قد مال إليها، فقال: قد قبلنا دعوتكم ورضينا بابنتكم.



وحينذاك قالت فاطمة زوجة عبد المطّلب: أنا أمضي معك إليها لأنظر إلى آمنة، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها.



فرجعت برّة مسرورة بما سمعت، وقد سمعت هاتفاً في الطريق يقول: بخٍ بخٍ لكم، قد قرب خروج المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم).



فدخلت على زوجها، فقال: وما وراءك؟



فأخبرته الخبر وقالت له: اعلم أنّ عبد المطّلب قد رضي بابنتك، إلاّ أنّ فاطمة والدته تريد أن تنظر إلى ابنتك آمنة، فإن رضيت بها وإلاّ لم يكن شيئاً، وإنّي أخاف أن لا ترضى بها.



فقال لها وهب: اُخرجي فوراً إلى ابنتك وزيّنيها، فعسى أن ترغب فاطمة فيها؟!



فعمدت برّة إلى بنتها وألبستها أفخر ما عندها من الثياب وقالت لها: يا بنية إذا أتتك فاطمة فتأدّبي معها بأحسن الأدب.



وبينما هما على ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل وإذا بعبد المطّلب (عليه السلام)، فأدخلوا فاطمة، فقامت لها السيّدة آمنة إجلالاً وتعظيماً ورحّبت بها أحسن الترحيب.



فنظرت إليها فاطمة فأعجبت بها جدّاً وقالت لوالدتها: يا برّة ما كنت عهدت أنّ آمنة على هذه الصورة؟ علماً أنّني كنت قد رأيتها قبل ذلك مراراً وكراراً.



فقالت برّة: يا فاطمة كل ذلك ببركتكم علينا.



فقامت فاطمة وأتت إلى عبد المطّلب وعبد الله (عليهما السلام) وقالت: يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبداً، ولقد ارتضيتها، وإنّ الله تعالى لا يودع هذا النور إلاّ في مثل هذه(11).
الزواج الميمون




نقل العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في (بحار الأنوار): أنّه لمّا حضرت ساعة عقد عبد الله (عليه السلام) من آمنة (عليها السلام) قام عقيل بن أبي وقّاص وقال:



بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم، ومن شجرة إسماعيل، ومن غصن نزار، ومن ثمرة عبد مناف، ثمّ أثنى على الله تعالى ثناء بليغاً وقال فيه جميلاً وعقد النكاح، ونظر إلى وهب وقال: يا أبا الوادح زوّجت كريمتك آمنة من ابن سيّدنا عبد المطّلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض هجرية جياد وخمسمائة مثقال ذهب أحمر.



فقال: نعم.



ثمّ التفت إلى والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا عبد الله قبلت هذا الصداق يا أيّها السيّد الخاطب؟



قال: نعم، وعندها دعا لهما بالخير والكرامة.



وأمر وهب أن تقدّم المائدة، فقدّمت مائدة خضرة فوضع الطعام وأكل الناس وشربوا، ونثر عبد المطّلب (عليه السلام) على ولده قيمة ألف درهم من النثار وكان متّخذاً من مسك ومن عنبر ومن سكّر ومن كافور، ونثر وهب كذلك بقيمة ألف درهم عنبراً وفرح الناس بذلك فرحاً شديداً(12).
ليلة الزفاف




عندما فرغ الناس من مراسم القران نظر عبد المطّلب (عليه السلام) إلى والد السيّدة آمنة وطلب منه أن تزفّ آمنة إلى عبد الله(عليه السلام)، فاستغرب وقال: بهذه السرعة؟



فأعرب عبد المطّلب (عليه السلام) عن شديد رغبته في رؤية زواج ابنه قبل وفاته.



فما كان من وهب إلاّ أن دخل على زوجته برّة وقال لها: اعلمي أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) راغب أن يجمع بين ولده عبد الله وزوجته آمنة.



فقامت المرأة من وقتها مع بعض النساء وأعددن السيّدة آمنة، وما أن غربت الشمس حتّى زفّت إلى بيت عبد الله. وفي نفس تلك الليلة جاء وهب وقال لعبد المطّلب: أقدم على العروس.



فقام عبد المطّلب (عليه السلام) إلى العروس وقبّل ما بين عينيها وقال لولده عبد الله: اجلس يا ولدي معها وافرح برؤيتها.



فقعد عبد الله (عليه السلام) إلى جنب العروس وفرح عبد المطّلب (عليه السلام)، وكان من عبد الله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النساء(13).



من مؤامرات اليهود



وعندما جرى الكلام بين وهب وعبد المطّلب في أمر السيّدة آمنة (عليها السلام)، قال وهب: يا أبا الحارث هي هدية منّي إليك بغير صداق معجّل ولا مؤجّل.



إلاّ أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) رفض وقال: جزيت خيراً يا وهب ولابدّ من صداق ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا.



ثمّ إنّ عبد المطّلب أراد أن يقدّم إليه شيئاً من المال ليصلح به شأنها وإذا به يسمع همهمة وأصواتاً، فتحرّى هو ووهب عن الخبر، وإذا باليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب قد تآمروا لقتل عبد المطّلب وعبد الله، فساروا إلى دار وهب فكانوا يرون عبد الله ووالده ووهب وهم لا يرونهم، فرموهم بالحجارة فردّها الله عزّوجلّ عليهم.



ثمّ إنّ عبد المطّلب خرج مع عبد الله وفاطمة إلى منزلهم، وقالوا: يا وهب إذا كان في الغد جمعنا قومنا وقومك ليشهدوا بما يكون من الصداق.



فقال: جزاك الله خيراً فلمّا طلع الفجر أرسل عبد المطّلب إلى بني عمّه ليحضروا خطبتهم، وجمع وهب أيضاً قرابته وبني عمّه، فاجتمعوا في الأبطح.فلمّا أشرف عليهم الناس قاموا إجلالاً لعبد المطّلب وأولاده، ثمّ إنّه لمّا استقرّ بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح وقام عبد المطّلب فيهم خطيباً، فقال:[b][size=18]الحمد لله حمد الشاكرين، حمداً استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا وجعلنا لبيته جيراناً ولحرمه سكّاناً وألقى محبّتنا في قلوب عباده وشرّفنا على جميع الاُمم ووقانا شرّ الآفات والنقم، والحمد لله الذي أحلّ لنا النكاح وحرّم علينا السفاح وأمرنا بالاتّصال وحرّم علينا الحرام، اعلموا أنّ ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجّل ومؤجّل كذا وكذا، فهل رضيتم بذلك من ولدنا؟[/size][/b]



قال وهب: قد رضينا منكم.فقال عبد المطّلب: اشهدوا يا من حضر.



ثمّ تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا وأولم عبد المطّلب وليمة عظيمة فيها جميع أهل مكّة وأوديتها وشعابها وسوادها، فأقام الناس في مكّة أربعة أيّام(14).



محاولة اغتيال السيّدة آمنة



بعد أن قدمت زرقاء اليمامة(15) من الشام إلى مكّة المكرّمة واطّلعت على النور العظيم الذي يحمله والد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكيف إنّه انتقل إلى السيّدة آمنة(عليها السلام) عمدت إلى تدبير مخطّط تتخلّص من خلاله من آمنة (عليها السلام) وتطفأ النور الإلهي المودع في أحشائها.وبالفعل، فقد أخذت تلك المرأة تفكّر في الحيلة التي تتخلّص من خلالها من السيّدة فانتهى فكرها إلى ما يلي:



أن تجهّز من الماشطات حتّى يقتلنها، فعثرت على امرأة من الخزرج اسمها «تكنا» وكانت ماشطة للسيّدة آمنة، فلمّا كان في بعض الليالي استيقظت «تكنا» فرأت عند رأس الزرقاء شخصاً يحدّثها ويقول:ويلك يا زرقاء! لقد نزل بنا أمر عظيم، كنّا نصعد إلى السماء السابعة ونسترق السمع، وفي هذه الأيام الأخيرة طردنا من السماء وسمعنا منادياً ينادي في السماوات: أنّ الله قد أراد أن يظهر المكسّر للأصنام ومظهر عبادة الرحمن فامتنعوا جملة الشياطين من السماء ورمتنا الملائكة بشهب من نار، وقد جئتك لاُحذّرك.



فلمّا سمعت زرقاء كلامه قالت له: انصرف عنّي، فلابدّ أن أجتهد في قتل هذا المولود.



ثمّ إنّه فارقها و«تكنا» تسمع ما جرى بينهما، فأتت إلى الزرقاء وقالت لها: ما لي أراك مغمومة؟



قالت لها: يا ويلك إنّ همّي وحزني من حامل مولود يدعو إلى تكسير الأصنام ويذلّ السحرة والكهّان، فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له الجزيل من الأموال والهدايا، وعمدت إلى كيس كان معها فأفرغته بين يدي «تكنا» وكان مالاً جزيلاً.



فلمّا نظرت «تكنا» إلى المال أغراها وراقها بريقها، وقالت لها: يا زرقاء لقد ذكرت أمراً عظيماً إلاّ أنّني سأفكّر لك فيما ذكرت، ولكن كيف أجسر على ما وصفت والوصول إلى ما ذكرت؟



فقالت الزرقاء: إذا دخلت عليها وجلست عندها فاقبضي على ذوائبها(16) واضربيها بهذا الخنجر فإنّه مسموم، وإذا وقعت عليك التهمة أو وجبت عليك دية فأنا أقوم بخلاصك وأدفع عنك فما أنت قائلة؟



قالت: إنّي أجبتك لكن اُريد منك الحيلة بأن تشغلي بني هاشم عنّي.



فقالت الزرقاء: لا عليك أنا أشغلهم عنك.



ثمّ إنّ الزرقاء أعطت «تكنا» الخنجر المسموم وقالت لها: قومي إلى حاجتك، فقامت ودخلت على السيّدة آمنة (عليها السلام) فرحّبت بها وسألتها عن أحوالها وقالت: يا «تكنا» لقد انقطعت عنّا؟



فقالت: اشتغلت بهمّي وحزني، ولولا فضلكم علينا لكنّا بأقبح حال ولا أحد أعزّ عليّ منك، هلمّي يا بنيّة إليّ حتّى اُزيّنك.



فجاءت السيّدة آمنة (عليها السلام) وجلست بين يديها، فلمّا فرغت من تسريح شعرها عمدت إلى الخنجر وأرادت أن تضربها به فحسّت كأنّ أحداً قبض على قلبها فغشي على بصرها فسقط الخنجر من يدها إلى الأرض، فصاحت وا حزناه.



فالتفتت السيّدة آمنة (عليها السلام) إليها وإذا الخنجر قد سقط من يدها، فصاحت السيّدة آمنة، فتبادرت النسوان إليها وقلن لها: ما دهاك؟



قالت: أما ترين ما جرى عليّ من «تكنا»؟ لقد كادت أن تقتلني بهذا الخنجر المسموم.



فقلن: يا «تكنا» ما أصابك، ويلك تريدين أن تقتلي آمنة؟



فقالت: نعم، لقد أردت قتلها.



فقالت لها النساء: يا «تكنا» ما حملك على ذلك؟



قالت: لا تلوموني حملني طمع الدنيا والغرور، ثمّ أخبرتهنّ بالقصة وقالت لهنّ: ويحكنّ دونكنّ الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكنّ(17).



نور وجه عبد الله (عليه السلام)



روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال: ولد لأبي، عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.



قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب، ثم رجع راجعاً حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها، فبينما الناس يتأملونه إذ صار نوراً بين السماوات والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب.



فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت: يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.



قال أبي أي العباس : فهمّني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً، فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر... الحديث(18).



فترة الحمل إنّ مرحلة حمل السيّدة آمنة (عليها السلام) بالنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت مليئة بالخيرات والبركات وما يؤكد على قداسة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ومدى علوّ مقامه عند الله تعالى وارتفاع شأنه العالي لديه.



فقد نقل العلاّمة المجلسي(قدس سره) قائلاً لمّا مرّ على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في بطن اُمّه شهران أمر الباري تعالى منادياً في السماوات والأرضين، أن ناد في السماوات والأرض والملائكة: أن استغفروا لمحمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)واُمّته، كل هذا ببركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)[b][size=18]ولمّا أتى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في بطن اُمّه ثلاثة أشهر كان أبو قحافة راجعاً من الشام، فلمّا بلغ مشارف مكّة وضعت ناقته جمجمتها على الأرض ساجدة وكان بيده قضيب فضربها، فلم ترفع رأسها، فقال أبو قحافة: فما أرى ناقة تركت صاحبها، وإذا بهاتف يقول: لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطيعك ألا ترى أنّ الجبال والبحار والأشجار سوى الآدميين سجدوا لله !.[/size][/b]



فقال أبو قحافة: يا هاتف وما السبب في ذلك؟قال: سترى يا أبا قحافة إن شاء الله تعالى.



يقول أبو قحافة: فوقفت ساعة حتّى رفعت الناقة رأسها وجئت إلى عبد المطّلب فأخبرته.



ولمّا أتى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أربعة أشهر كان زاهد على الطريق من الطائف وكان له صومعة(19) بمكّة على مرحلة قال: فخرج الزاهد وكان اسمه حبيباً فجاء إلى بعض أصدقائه بمكّة، فلمّا بلغ أرض الموقف إذا بصبي قد وضع جبينه على الأرض وقد سجد على جمجمته، فدنا حبيب منه وأخذه وإذا بهاتف يهتف ويقول: خلّ عنه يا حبيب ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر والسهل والجبل قد سجدوا لله شكراً(20).
البشرى بمولد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)




كثيرة كانت البشارات التي بشّرت بنبي آخر الزمان(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي سينقذ الاُمّة من ظلمات الجاهلية الاُولى ويدخلها في عزّ الوحدانية والتوحيد.فمن قبل أن تنعقد نطفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كان الأنبياء والصلحاء (عليهم السلام)بل وحتّى المنجّمين وغيرهم ممّن يعتقد بهم بعض الناس يخبرون عن قرب ظهور نبي آخر الزمان ويشيدون بفضائله ومكانته الرفيعة عند الله تبارك وتعالى.



وربما لا نبالغ إذا ما ذهبنا بالقول إنّ استعراض مثل هذه المبشّرات يحتاج إلى مجلّد ضخم إلاّ أنّ الذي يهمّنا في بحثنا هذا هو البشارات المرتبطة باُمّهات المعصومين (عليهم السلام).



فعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب، فلم تزل معها حتّى وضعت، فقالت إحداهما للاُخرى: هل ترين ما أرى؟



فقالت: وما ترين .قالت: هذا النور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب.



فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب(عليه السلام)، فقال لهما: ما لكما من أي شيء تعجبان؟



فأخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت.فقال لها أبو طالب: ألا اُبشّرك؟



فقالت: بلى.فقال: أما إنّك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود(21).



الميلاد المبارك



ومن الاُمور المهمّة التي دوّنها المؤرخون في سيرة السيّدة آمنة (سلام الله عليها) هي لحظات ولادتها المباركة للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)التي لم يشهد التاريخ مثلها قطّ.



فقد رافقت تلك الولادة الميمونه أحداث ووقائع مهمّة تدلّ على عظمة ذلك المولود المبارك الذي أطلّ على الوجود، فملأ العالمين ضياءً وغطّى الكون الواسع بركة وجلالة.لقد شاءت إرادة السماء أن تهدي للبشرية هديتها العظمى التي لم ولن يُعرف قدرها إلى قيام يوم الدين، فها هو سيّد المرسلين محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي طالما بشّرت به الرسالات السابقة وأكّدت على جلالة قدره وعظمة شأنه الرفيع يطرق الأبواب ليجلب معه أنوار الهداية إلى البشرية جمعاء.



فما أعظم تلك اللحظات؟!وما أقدس جلالة قدرها؟![b][size=18]فقد روي أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين(عليه السلام) كانت حاضرة في الليلة التي ولدت فيها السيّدة آمنة بنت وهب اُمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورأت مثل الذي رأته، فلمّا كان الصبح انصرف أبو طالب (عليه السلام) من الطواف فاستقبلته، ثم قالت له: لقد رأيت الليلة عجباً.[/size][/b]



قال لها: ما رأيت؟قالت: ولدت آمنة بنت وهب مولوداً أضاءت له الدنيا بين السماء والأرض نوراً حتّى مددت عيني فرأيت سعفات(22) هجر(23).[b][size=18]فقال لها أبو طالب(عليه السلام): انتظري سبتاً تأتين بمثله، فولدت أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد ثلاثين سنة، وهكذا روي أنّ السبت ثلاثون سنة(24).[b][size=18]وقد روي عن السيّدة آمنة (سلام الله عليها) إنّها قالت: لمّا اقتربت ولادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) رأيت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي فذهب الرعب عنّي واُوتيت بشربة بيضاء وكنت عطشى فشربتها فأصابني نور عال.[/size][/b][/size][/b]



ثمّ رأيت نسوة كالنخل طولاً تحدّثني، وسمعت كلاماً لا يشبه كلام الآدميين حتّى رأيت كالديباج الأبيض قد ملأ بين السماء والأرض وقائل يقول: خذوه من أعزّ الناس.ورأيت رجالاً وقوفاً في الهواء بأيديهم أباريق.



ورأيت مشارق الأرض ومغاربها.ورأيت عَلَماً من سندس على قضيب من ياقوتة قد ضرب بين السماء والأرض في ظهر الكعبة فخرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رافعاً إصبعه إلى السماء.



ورأيت سحابة بيضاء تنزل من السماء حتّى غشيته، فسمعت نداءً: طوفوا لمحمّد شرق الأرض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته، ثمّ انجلت عنه الغمامة فإذا أنا به في ثوب أبيض من اللبن وتحته حريرة خضراء وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ الرطب، وقائل يقول: قبض محمّد على مفاتيح النصرة والريح والنبوّة.



ثمّ أقبلت سحابة اُخرى فغيّبته عن وجهي أطول من المرّة الاُولى، وسمعت نداءً: طوفوا بمحمّد الشرق والغرب واعرضوه على روحاني الجنّ والإنس والطير والسباع وأعطوه صفاء آدم ورقّة نوح وخلّة إبراهيم ولسان إسماعيل وكمال يوسف وبشرى يعقوب وصوت داود وزهد يحيى وكرم عيسى (عليهم السلام).



ثمّ انكشف عنه فإذا أنا به وبيده حريرة بيضاء قد طويت طيّاً شديداً وقد قبض عليها وقائل يقول: قد قبض محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)على الدنيا كلّها فلم يبق شيء إلاّ دخل في قبضته.



ثمّ إنّ ثلاثة نفر كأنّ الشمس تطلع من وجوههم، في يد أحدهم إبريق فضّة ونافجة(25) مسك، وفي يد الثاني طست من زمردة خضراء لها أربع جوانب من كل جانب لؤلؤة بيضاء وقائل يقول: هذه الدنيا فاقبض عليها يا حبيب الله، فقبض على وسطها، وقائل يقول: قبض الكعبة، وفي يد الثالث حريرة بيضاء مطوية فنشرها فأخرج منها خاتماً تحار أبصار الناظرين فيه، فغسّل بذلك الماء من الإبريق سبع مرّات ثمّ ضرب الخاتم على كتفيه وتفل في فيه فاستنطقه فنطق، فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله وحفظه وكلاءته قد حشوت قلبك إيماناً وعلماً ويقيناً وعقلاً وشجاعة، أنت خير البشر، طوبى لمن اتّبعك وويل لمن تخلّف عنك، ثمّ أدخل بين أجنحتهم ساعة وكان الفاعل به هذا رضوان، ثمّ انصرف وجعل يلتفت إليه ويقول: أبشر يا عزّ الدنيا والآخرة، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّى بلغ السماء ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطا(26) أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها(27).
البشارة العظمى




على الرغم من أنّ ولادة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) رافقها العديد من المبشّرات من الأحداث المهمّة التي تدلّ على عظمته(صلى الله عليه وآله وسلم)إلاّ أنّ هناك بشارة عظيمة تفوقها جميعها، ألا وهي البشارة بقدوم مكمّل الرسالة وهادي الناس من الضلالة وصي المصطفى المختار ووالد الأئمّة الأطهار أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصلاة والسلام).



فعن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لمّا ولد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فتح لآمنة بياض فارس وقصور الشام، فجاءت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنة، فقال لها أبو طالب: وتتعجّبين من هذا إنّك تحبلين وتلدين بوصيّه ووزيره»(28).
إرهاصات الولادة




من المسلّمات المشهورة أن لدى ولادة معظم الأنبياء والأوصياء الصالحين(عليهم السلام)وكذا في أيّام حملهم تظهر إرهاصات وعلامات مهمّة تدلّ على عظمة شأن المولود ومدى قداسته عند الله تبارك وتعالى.



وقد أحيطت ولادة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)بالكثير من الأحداث المهمّة المشيرة إلى علوّ مكانته العظيمة عند الباري عزّوجلّ.



ونحن نشير إلى بعض تلك الأحداث والإرهاصات حيث قد نقلتها والدة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)السيّدة آمنة (عليها السلام) فقالت:



نظرت إلى وجه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فإذا هو مكتحل العينين، منقّط الجبين والذقن، وقد أشرق من وجنتي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)نور ساطع في ظلمة الليل ومرّ في سقف البيت وشقّ السقف.



ورأت آمنة (عليها السلام) من نور وجهه كل منظر حسن وقصر بالحرم، وسقط في تلك الليلة أربعة وعشرون شرفاً من إيوان كسرى، وأخمدت في تلك الليلة نيران فارس، وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت وغرفة في الدنيا ممّن قد علم الله تعالى وسبق في علمه أنّهم يؤمنون بالله ورسوله محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يسطع في بقاع الكفر بأمر الله تعالى، وما بقي في مشارق الأرض ومغاربها صنم ولا وثن إلاّ وخرّت على وجوهها ساقطة على جباهها خاشعة، وذلك كلّه إجلالاً للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)(29).



وفي حديث آخر نقل عن السيّدة آمنة (عليها السلام) أنّها قالت: لمّا حملت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل، ورأيت في نومي كأنّ آتياً أتاني وقال لي: قد حملت بخير الأنام.



فلمّا حان وقت الولادة خفّ ذلك عليّ حتّى وضعته(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يتّقي الأرض بيديه وسمعت قائلاً يقول: وضعت خير البشر فعوّذيه بالواحد الصمد من شرّ كل باغٍ وحاسد، فولدت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الأوّل يوم الإثنين..أقول: هذا على رواية، وهو يؤيّد القائلين بأنّ ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كان في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، إلاّ أن المشهور بين الإمامية هو السابع عشر من شهر ربيع الأول كما ذكرناه في كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم)(30).



فقالت السيّدة آمنة (عليها السلام): لمّا سقط إلى الأرض اتّقى الأرض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء، وخرج منّي نور أضاء ما بين السماء والأرض، ورميت الشياطين بالنجوم وحجبوا عن السماء.



ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ففزعوا لذلك وقالوا: هذا قيام الساعة، واجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك وكان شيخاً كبيراً مجرّباً، فقال: انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدي بها في البر والبحر، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة، وإن كانت هذه ثابتة فهو لأمر قد حدث.وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنّهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب، فقال: اطلبوا فإنّ أمراً قد حدث.



فجالوا في الدنيا ورجعوا، فقالوا: لم نر شيئاً.



فقال: أنا لهذا، فخرق ما بين المشرق والمغرب فانتهى إلى الحرم، فوجد الحرم محفوفاً بالملائكة، فلمّا أراد أن يدخل صاح به جبرئيل، فقال: اخسأ يا ملعون...فجاء من قبل فصار مثل الصرّ(31) قال: يا جبرئيل ما هذا؟[b][size=18]قال: هذا نبي قد ولد وهو خير الأنبياء.[/size][/b]



قال: هل لي فيه نصيب؟قال: لا.[b][size=18]قال: ففي اُمّته؟[b][size=18]قال: نعم.[b][size=18]قال: قد رضيت(32).[/size][/b][/size][/b][/size][/b]



المشركون يقرون بالإرهاصات



إنّ الأحداث العظيمة التي حصلت عند ولادة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يقرّ بها الموحّدون فحسب، بل حتّى المشركين على عنادهم وإلحادهم أقرّوا بها وشهدوا للرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) بطيب الولادة وعظم الشأن لدى الله تعالى.



ورد عن عمرو بن اُميّة وكان من أزجر أهل الجاهلية أنّه قال: انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث، وأصبحت الأصنام كلّها صبيحة مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ليس منها صنم إلاّ وهو منكبّ على وجهه، وارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة(33)، وغاضت بحيرة ساوه، وفاض وادي السماوة، وخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، ورأى الموبذان(34) في تلك الليلة في المنام إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانسربت في بلادهم، وانقصم طاق الملك كسرى من وسطه، وانخرقت عليه دجلة العوراء، وانتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطار حتّى بلغ المشرق، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلاّ أصبح منكوساً، والملك مخرساً لا يتكلّم يومه ذلك، وانتزع علم الكهنة، وبطل سحر السحرة، ولم تبق كاهنة في العرب إلاّ حجبت عن صاحبها، وعظمت قريش في العرب وسمّوا آل الله عزوجل. قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «إنّما سمّوا آل الله لأنّهم في بيت الله الحرام»(35).



العباس يخبر عن المولد الشريف



وقد روى العباس بن عبد المطّلب(عليه السلام) عم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عن لسان السيّدة آمنة(عليها السلام) عظمة تلك الأحداث التي صاحبت ميلاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:



«لمّا مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته وتفرّست في وجهه فوجدت منه ريح المسك، وصرت كأنّي قطعة مسك من شدّة ريحي، فحدّثتني آمنة وقالت لي: إنّه لمّا أخذني الطلق واشتدّ بي الأمر سمعت جلبة(36) وكلاماً لا يشبه كلام الآدميين، ورأيت علماً من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والأرض، ورأيت نوراً يسطع من رأسه حتّى بلغ السماء، ورأيت قصور الشامات كأنّها شعلة نار نوراً، ورأيت حولي من القطاة أمراً عظيماً قد نشرت أجنحتها حولي، ورأيت شعيرة الأسدية قد مرّت وهي تقول: آمنة ما لقيت الكهّان والأصنام من ولدك، ورأيت رجلاً شاباً من أتمّ الناس طولاً وأشدّهم بياضاً وأحسنهم ثياباً ما ظننته إلاّ عبد المطّلب قد دنا منّي فأخذ المولود فتفل في فيه واستنطقه، فنطق فلم أفهم ما قال إلاّ أنّه قال: في أمان الله أنت خير البشر، طوبى لمن اتّبعك، وويل لمن تخلّف عنك، وأخرج صرّة اُخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب على كتفيه ثمّ قال: أمرني ربّي أن أنفخ فيك من روح القدس، فنفخ فيه وألبسه قميصاً وقال: هذا أمانك من آفات الدنيا فهذا ما رأيت يا عباس بعيني.



قال العباس: وأنا يومئذ أقرأ فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوّة بين كتفيه فلم أزل أكتم شأنه وأنسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتّى ذكّرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(37).



في مجلس معاوية



على الرغم من أنّ معاوية بن أبي سفيان كان يكنّ الحقد والعداء للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام)إلاّ أنّه أكثر من مرّة اضطر لكي يسمح للآخرين بأن يذكروا فضائلهم (عليهم السلام)وذلك من أجل كسب السمعة وتغطية بغضه لهم (عليهم السلام)ولو في بعض الأحيان.والواقعة التالية هي من مصاديق ذلك:



يقول ليث بن سعد، قلت لكعب وهو عند معاوية: كيف تجدون صفة مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟



وهل تجدون لعترته فضلاً؟[b][size=18]فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه، فأجرى الله عزوجل على لسانه، فقال: هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك ..[b][size=18]فقال كعب: إنّي قد قرأت اثنين وسبعين كتاباً كلّها اُنزلت من السماء، وقرأت صحف دانيال كلّها ووجدت في كلّها ذكر مولده(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولد عترته وإنّ اسمه لمعروف وإنّه لم يولد نبي قط فنزلت عليه الملائكة ما خلا عيسى وأحمد (صلّى الله عليهما)، وما ضرب على آدمية حجب الجنّة غير مريم وآمنة اُمّ أحمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، وما وكّلت الملائكة باُنثى حملت غير مريم اُمّ المسيح (عليها السلام) وآمنة اُم أحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان من علامة حمله أنّه لمّا كانت الليلة التي حملت آمنة به(صلى الله عليه وآله وسلم) نادى مناد في السماوات السبع: أبشروا فقد حمل الليلة بأحمد، وفي الأرضين كذلك حتّى في البحور، وما بقي يومئذ في الأرض دابة تدب ولا طائر يطير إلاّ علم بمولده، ولقد بني في الجنّة ليلة مولده سبعون ألف قصر من ياقوت أحمر وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب، فقيل: هذه قصور الولادة، ونجدت(38) الجنان وقيل لها: اهتزّي وتزيّني فإنّ نبي أوليائك قد ولد، فضحكت الجنّة يومئذ، فهي ضاحكة إلى يوم القيامة، وبلغني أنّ حوتاً من حيتان البحر يقال له: طموساً وهو سيّد الحيتان له سبعمائة ألف ذنب يمشي على ظهره سبعمائة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا لكل ثور سبعمائة ألف قرن من زمرد أخضر لايشعر بهنّ اضطرب فرحاً بمولده، ولولا أنّ الله تبارك وتعالى ثبّته لجعل عاليها سافلها، ولقد بلغني أنّ يومئذ ما بقي جبل إلاّ نادى صاحبه بالبشارة ويقول: لا إله إلاّ الله، ولقد خضعت الجبال كلّها لأبي قبيس كرامةً لمولده(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد قدّست الأشجار أربعين يوماً بأنواع أفنانها وثمارها فرحاً بمولده(صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد ضرب بين السماء والأرض سبعون عموداً من أنواع الأنوار لا يشبه كل واحد صاحبه، وقد بشّر آدم (عليه السلام) بمولده فزيد في حسنه سبعين ضعفاً، وكان قد وجد مرارة الموت وكان قد مسّه ذلك فسري عنه ذلك، ولقد بلغني أنّ الكوثر اضطرب في الجنّة واهتزّ فرمى بسبعمائة ألف قصر من قصور الدرّ والياقوت نثاراً لمولد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولقد زمّ(39) إبليس وكُبّل(40) واُلقي في الحصن أربعين يوماً وغرق عرشه أربعين يوماً، ولقد تنكّست الأصنام كلّها وصاحت وولولت، ولقد سمعوا صوتاً من الكعبة يا آل قريش لقد جاءكم البشير، جاءكم النذير، معه العزّ الأبد والربح الأكبر وهو خاتم الأنبياء، ونجد في الكتب أنّ عترته خير الناس بعده وأنّه لا يزال الناس في أمان من العذاب ما دام من عترته في دار


عدل سابقا من قبل ابومهندالسلامي النجفي في الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:29 am عدل 2 مرات
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty الحلقة الثانية ...

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي السبت سبتمبر 25, 2010 1:13 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

- الحلقة الثانية-

السيدة خديجة (عليها السلام) والدة الصديقة فاطمة الزهراء(عليها السلام)

النسب الشريف

هي السيّدة خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وعلى هذا فإن السيدة خديجة تلتقي بنسبها مع النبي العظيم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)عند الجد الأكبر (قصي).

من مقامات السيدة خديجة (عليها السلام)

من الاُمور المتَفق عليها عند الجميع أنَ السيدة خديجة(عليها السلام) كانت خير نساء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وذلك بتصريح من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر من مرَة، وهذا إنما يدل على علو مقامها وجلالة قدرها (سلام الله عليها).

فعن عائشة قالت: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها واستغفار لها، فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة، فقلت: لقد عوَّضك الله من كبيرة السن!.

قالت: فرأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)غضب غضباً شديداً، فسقطت في يدي فقلت: اللهمَ إنَك إن أذهبت بغضب رسولك(صلى الله عليه وآله وسلم)لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.

قالت: فلمَا رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما لقيت قال: كيف قلت؟ والله لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، وصدَّقتني إذ كذَّبني الناس، ورزقت منّي الولد حيث حرمتموه.

قالت: فغدا وراح عليّ بها شهراً(1).

وفضلاً عن ذلك كله، فهناك العديد مما يدل على علو مقام السيدة خديجة(عليها السلام) نشير إلى بعضها:

1: اصطفاء الباري تعالى لها، حيث جعلها من النساء المختارات.

عن أبي الحسن الأول(عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(2).

2: إنها (عليها السلام) أوّل من أسلمت من النساء وآمنت برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منهن، وأوّل من صلّت خلفه(صلى الله عليه وآله وسلم)(3).

عن عفيف قال: كنت امرأ تاجراً فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرأ تاجرا فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذا خرج رجل من خبأ يصلي فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إن هذا الدين ما ندري ما هو؟

فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر يستفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به(4).

وروى السيد بن طاوس عن كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد عن الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) قال: سألت عن بدء الإسلام كيف أسلم علي(عليه السلام) وكيف أسلمت خديجة؟

فقال: «تأبى إلا أن تطلب أصول العلم ومبتدأه، أما والله إنك لتسأل تفقها».

ثم قال: «سألت أبي (عليه السلام) عن ذلك فقال لي: لما دعاهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال: إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام فأسلما تسلما وأطيعا تهديا».

فقالا: «فعلنا وأطعنا يا رسول الله».

فقال: «إن جبرئيل عندي يقول لكما: إن للإسلام شروطا وعهودا ومواثيق فابتدئاه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه في ملكه، لم يتخذ ولدا ولم يتخذ صاحبة، إلهاً واحداً مخلصاً، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ».

قالا: «شهدنا» الحديث(5).

3: تخصيص الباري لها بالسلام، فقد بلغ من قداسة السيدة خديجة (عليها السلام) عند الله تعالى أنّه عزّوجلّ كان يخصّها بالسلام.

ففي الحديث أنّ جبرئيل أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنّ ربّها يقرؤها السلام(6).

وروي أنه أتى جبرئيل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: هذه خديجة قد أتتك معها إناء مغطّى فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نصب(7).

4: بشارة الله وجبرائيل لها ببيت عظيم في الجنة، كما مر في الحديث الشريف السابق.

5: كثرة ثناء النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على السيدة خديجة (عليها السلام) كما مر في الحديث عن عائشة.

وبالإضافة إلى ذلك فقد كانت السيدة خديجة (عليها السلام) عزيزة عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وتتمتع بمكانة خاصة في قلبه، حيث كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحبّها حبّاً جمّاً، ويعتزّ بها، ويقدر مواقفها المشرفة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:

إنّ عجوزاً دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فألطفها، فلمّا خرجت سألته عائشة، فقال: «إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة وإنّ حسن العهد من الإيمان»(8).

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال: «ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة يوماً وهو عند نسائه، فبكى، فقالت عائشة: ما يبكيك على عجوز حمراء من عجائز بني أسد؟

فقال: صدّقتني إذ كذبتم، وآمنت بي إذ كفرتم، وولدت لي إذ عقمتم.

قالت عائشة: فما زلت أتقرّب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بذكرها»(9).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «لمّا توفّيت خديجة (عليها السلام) جعلت فاطمة (عليها السلام) تلوذ برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتدور حوله وتقول: يا أبت أين اُمّي؟

قال: فنزل جبرئيل (عليه السلام) فقال له: ربّك يأمرك أن تقرأ فاطمة السلام وتقول لها: إنّ اُمّك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، وعمده ياقوت أحمر، بين آسية ومريم بنت عمران.

فقالت فاطمة (عليها السلام): إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام»(10).

وعن عبد الرحمن بن ميمون عن أبيه قال: سمعت ابن عباس يقول: (أول من آمن برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من الرجال علي (عليه السلام) ومن النساء خديجة(عليها السلام))(11).

بل إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ وكما في التاريخ ـ أطلق على العام الذي توفّيت فيه السيّدة خديجة وأبو طالب (عليهما السلام) «عام الحزن»(12)، وهذا خير دليل على معزّته (صلى الله عليه وآله وسلم)لهما.

النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يذكّر بفضائلها

وليس ذلك فحسب، وإنَما بقي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعد أن توفّيت السيدة خديجة(عليها السلام) يتذكّرها ويترحّم عليها ويشيد بفضائلها الكثيرة ويدافع عنها.

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة (عليها السلام) تصايحها وهي تقول: والله يا بنت خديجة ما ترين إلاّ أنّ لاُمّك علينا فضلاً، وأي فضل كان لها علينا؟ ما هي إلاّ كبعضنا.

فسمع مقالتها فاطمة(عليها السلام)، فلمّا رأت فاطمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بكت.

فقال لها: ما يبكيك يا بنت محمّد؟

قالت: ذكرت اُمّي فتنقّصتها، فبكيت.

فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثم قال: مه ياحميراء، فإنّ الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإنّ خديجة رحمها الله ولدت منّي طاهراً وهو عبد الله وهو المطهّر، وولدت منّي القاسم وفاطمة ورقية واُمّ كلثوم وزينب، وأنت ممّن أعقم الله رحمه فلم تلدي شيئاً(13).

النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يصبّرها

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على خديجة حين مات القاسم أبنها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك؟

فقالت: درّت دريرة فبكيت.

فقال: يا خديجة أما ترضين إذا كان يوم القيامة أن تجيء إلى باب الجنّة وهو قائم فيأخذ بيدك فيدخلك الجنّة وينزلك أفضلها، وذلك لكل مؤمن، إنّ الله عزّوجلّ أحكم وأكرم أن يسلب المؤمن ثمرة فؤاده ثم يعذّبه بعدها أبداً»(14).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا توفّي طاهر ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خديجة عن البكاء.

فقالت: بلى يا رسول الله ولكن درّت عليه الدريرة فبكيت.

فقال لها: أما ترضين أن تجديه قائماً على باب الجنّة فإذا رآك أخذ بيدك فأدخلك أطهرها مكاناً وأطيبها؟

قالت: وإنّ ذلك كذلك؟

قال: فإنّ الله أعزّ وأكرم من أن يسلب عبداً ثمرة فؤاده فيصبر ويحتسب ويحمد الله عزّوجلّ ثم يعذّبه»(15).

حاجة جبرائيل

عن أبي سعيد الخدري: (إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إنّ جبرئيل(عليه السلام) قال لي ليلة اُسري بي حين رجعت وقلت: يا جبرئيل هل لك من حاجة؟

قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومنّي السلام.

وحدّثنا عند ذلك أنّها قالت حين لقيها نبي الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال لها الذي قال جبرئيل، قالت: إنّ الله هو السلام ومنه السلام وإليه السلام وعلى جبرئيل السلام)(16).

خير النساء

عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نسائها خديجة وخير نسائها مريم»(17).

وعن ابن عباس قال: خط رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أربع خطط ثم قال: «خير نساء الجنّة مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(18).

معرفة خديجة بمقام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

يذكر أنّ الأحبار كانوا يتردّدون على السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية، وكانت (عليها السلام) تكرمهم وتفيض عليهم من خيراتها الطائلة.

وفي أحد الأيام وبينما كان أحد الأحبار في بيتها وهي جالسة مع جماعة من نسائها وجواريها إذا بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يمرّ، فنظر إليه ذلك الحبر وقال: يا خديجة قد مرّ الآن بدارك شاب حدث السن، فأمري من يأتي به.

فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت: يا سيدي مولاتي تطلبك.

فأقبل(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل منزل خديجة.

فقالت: أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه؟

قال: نعم هذا محمّد بن عبد الله.

وقال: طوبى لمن تكون لـه بعلاً وتكون لـه زوجة وأهلاً، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة.

فتعجّبت السيّدة خديجة، وانصرف الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد اشتغل قلبها بحبّه، وكانت السيّدة خديجة ملكة عظيمة ولها من الأموال والثروة الطائلة ما لا يحصى، فقالت: أيّها الحبر بم عرفت أنه نبي؟

قال: وجدت صفاته في التوراة أنه المبعوث آخر الزمان يموت أبوه واُمّه ويكفله جدّه وعمّه وأنّه سيتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأشار بيده إليها، ثم قال لها: احفظي ما أقول لك يا خديجة.

فلمّا سمعت السيّدة خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر وكتمت أمرها.

فلمّا أراد الخروج من عندها قال: اجتهدي أن لا يفوتك محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فهو الشرف في الدنيا والآخرة(19).

الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يتاجر بأموال خديجة

كان أبو طالب (عليه السلام) قد كبر وضعف عن السفر وترك ذلك منذ أن كفل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي أحد الأيام دخل عليه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فوجده حزيناً مهموماً، فقال: ما لي أراك يا عم مهموماً؟

فقال: يا بن أخي إنه لا مال لنا وقد ضاق بنا الزمان وليس لنا مادّة وقد كبرت وضعف جسمي وقلّ ما بيدي وأرى أنّ الأجل قد قرب منّي ولا اُحب أن أموت قبل أن أرى لك زوجة يا ولدي لتسكن إليها.

فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما هو الرأي عندك يا عم؟

قال: اعلم يا بن أخي أنّ خديجة بنت خويلد قد انتفع بمالها أكثر الناس وهي تعطي أموالها لجميع من يسألها ليسافروا للتجارة به، فهل لك يا بن أخي أن تمضي معي إليها ونسألها أن تعطيك مالاً تتّجر فيه؟

فقال: نعم، قم إليها وافعل ما بدا لك(20).

وبعد أن اتّفق أبو طالب مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على أن يعمل في تجارة خديجة، أشار عليه أعمامه بأن يذهب معهم إلى دارها ليخبروها بالخبر.

وبالفعل فقد قصد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأعمامه دار السيدة خديجة وطرقوا الباب، فاستقبلتهم استقبالاً حافلاً.

وبعثت إليهم (ميسرة) ليرحّب بهم ويقدّم لهم مستلزمات الضيافة اللازمة فأكلوا وشرعوا في الحديث.

فقالت لهم السيّدة خديجة من وراء الحجاب: لعلّ لكم حاجة فتقضى، فإنّ حوائجكم مقضية.

فقال أبو طالب (عليه السلام): جئناك في حاجة يعود نفعها إليك وبركتها عليك.

قالت: وما ذلك؟

قال: جئناك في أمر ابن أخي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقالت: أين هو محمّد حتى نسمع ما يقول؟

فقال العباس: أنا آتيكم به.

فنهض وسار يبحث عنه فلم يجده، فالتفت يميناً وشمالاً، فتساءل منه الناس وقالوا: ما تريد؟

فقال: اُريد محمّداً.

فقالوا له: في جبل حرى(21).

فسار إليه فإذا هو فيه، نائماً في مرقد إبراهيم الخليل (عليه السلام) ملتفّاً ببردة وعلى رأسه ثعبان عظيم، فلمّا نظر إليه العباس قال: خشيت عليه من الثعبان فسللت سيفي وهممت بالثعبان فحمل عليّ، ولمّا رأى العباس ذلك صاح برفيع صوته: أدركني يا بن أخي.

ففتح النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عينيه فذهب الثعبان.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما لي أرى سيفك مسلولاً يا عم؟

قال: رأيت هذا الثعبان عندك فسللت سيفي وقصدته خوفاً عليك منه فخشيت على نفسي الغلبة فصحت بك ولمّا فتحت عينك ذهب كأنه لم يكن.

فتبسّم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا عم ليس هذا بثعبان، ولكنّه ملك من الملائكة ولقد رأيته مراراً وخاطبته جهاراً وقال لي: يا محمد إنّي ملك من عند ربّي موكّل بحراستك في الليل والنهار من كيد الأعداء والأشرار.

فقال العباس: ما ينكر فضلك يا محمد؟

فقال له: لنذهب إلى دار خديجة بنت خويلد لتكون أميناً على أموالها.

فسارا معاً إلى دارها، فجاءت السيّدة خديجة لتنظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل المجلس نهض أعمامه إجلالاً لـه وأجلسوه في أوساطهم، فلمّا استقرّ بهم المجلس قدّمت لهم الطعام فأكلوا ورحّبت بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: أترضى أن تكون أميناً على أموالي تسير بها حيث شئت؟

قال: نعم رضيت.

ثم قال: اُريد الشام.

قالت: ذلك إليك.

ثمّ إنّ السيّدة خديجة خاطبت الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قائلة: تحسن أن تشدّ على الجمل وترفع عليه الأحمال؟

قال: نعم.

فقالت: يا ميسرة إيتني ببعير حتى أنظر كيف يشدّ عليه محمد؟

فخرج ميسرة وأتى ببعير قوي لم يجسر أحد من الرعاة أن يخرجه من بين الإبل لشدّة بأسه فأدناه ليركبه الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)فهدر البعير واحمرّت عيناه.

فقال العباس لميسرة: ما كان عندك غير هذا البعير لتمتحن به ابن أخينا؟

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): دعه يا عم، فلمّا سمع البعير حديثه برك على قدميه وأخذ يمرّغ وجهه على قدمي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ونطق بلسان فصيح وقال: من مثلي وقد لمس ظهري سيد المرسلين!.

فقلن النسوة اللاتي كن عند خديجة: ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فقالت لهم السيّدة خديجة: ليس هذا سحراً وإنّما هو آيات بيّنات وكرامات ظاهرات(22).

خديجة تعتني بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

بعد أن تعاهدت السيّدة خديجة(عليها السلام) مع أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على أن تخوّله أموالها وتضع كل ما لديها تحت اختياره، عمدت (سلام الله عليها) إلى غلمانها وجعلت توصيهم به وتحثّهم على طاعته وخدمته طيلة سفرهم وحضرهم، الأمر الذي يدلّ على عظم معرفتها بقدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقد نقل المؤرخون أنه: لمّا خرج أولاد عبد المطّلب وأخذوا في أهبّة السفر التفتت السيّدة خديجة(عليها السلام) إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: ألا تملك غير هذه الثياب؟ فليست هذه تليق للسفر.

فقال: لست أملك غيرها.

فبكت خديجة وقالت: عندي ما يصلح للسفر غير أنّهنّ طوال فانتظر حتى أقصرها لك.

فقبل(صلى الله عليه وآله وسلم)بذلك وكان إذا لبس القصير يطول، وإذا لبس الطويل يقصر كأنه مفصّل عليه.

فأخرجت لـه ثوبين من قباطي(23) مصر، وجبّة(24) عدنية، وبردة(25) يمنية، وعمامة عراقية، وخفّين من الأديم، وقضيب خيزران، فلبس النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)الثياب وخرج كأنه البدر في تمامه.

ثمّ إنّ السيدة خديجة(عليها السلام) قالت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أعندك ما تركب عليه؟

قال: إذا تعبت ركبت أي بعير أردت.

فقالت: لا، كانت الأموال دونك.

ثم قالت لعبدها ميسرة: إيتني بناقتي الصهباء حتى يركبها، فأتى بها ميسرة وقد كانت لا يلحقها في سيرها تعب ولا يصيبها نصب.

ثم إنّها التفتت إلى غلاميها ميسرة وناصح وقالت لهما: اعلما أنّني قد أرسلت إليكما أميناً على أموالي وأنه سيد قريش فلا تخالفا أمره، فإن باع لا يمنع، وإن ترك لا يؤم، وليكن كلامكما لـه بلطف وأدب، ولا يعلو كلامكما على كلامه.

فقال ميسرة: والله يا سيدتي إنّ لمحمد عندي محبّة عظيمة قديمة والآن قد تضاعف لمحبّتك له.

ثم إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ودّع السيّدة خديجة وركب راحلته وخرج وميسرة وناصح بين يديه(26).

من معاجز الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

عندما خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الشام للتجارة شاهد مرافقوه معاجز كثيرة أرشدتهم إلى عظمة شخصه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم)ومدى قداسته عند الله تعالى، ونحن إذا أردنا التطرّق إلى هذه المعاجز لطال بنا المقام ولكن نذكر الشيء القليل منها موضّحين كيف أنّ مثل هذه المعاجز للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)جعلت السيدة خديجة (عليها السلام) تتعرف على شخصيته(صلى الله عليه وآله وسلم)أكثر فأكثر(27).

فقد روى المؤرخون أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)سار مجدّاً للسير إلى الأبطح فوجد القوم منتظرين قدومه، فلمّا نظروا إلى جماله(صلى الله عليه وآله وسلم)استرّ المحبّ واغتمّ الحاسد.

ثم إنهّ(صلى الله عليه وآله وسلم)شاهد أموال السيّدة خديجة على الأرض ولم يحمل منها شيء فنادى في العبيد وقال: ما الذي منعكم عن شدّ رحالكم؟

قالوا: يا سيدنا لقلّة عددنا وكثرة متاعنا.

فأبرك(صلى الله عليه وآله وسلم)راحلته ونزل وصار يصيح بالبعير فيقول: بإذن الله تعالى، فتعجّب الناس من فعله.

فنظر العباس إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد احمرّت وجهه، فقال: كيف أترك الشمس تتعرّض لهذا الوجه الكريم، فعمد إلى خشبة وقال: لأتّخذن منها جحفة تظلّله من حرارة الشمس.

فأمر الباري تعالى الأمين جبرئيل (عليه السلام) أن يأمر رضوان كي يخرج الغمامة المختصّة بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قبل خلق آدم (عليه السلام) بألفي عام، فلمّا رأوا الناس الغمامة شخصت أبصارهم نحوها وقال العباس: إنّ محمداً لكريم على ربّه ولقد استغنى عن جحفتي.

ثم إنّ القوم ساروا حتى نزلوا بجحفة الوداع وحطّوا رحالهم ليلحق بهم المتأخرون، فقال أحدهم: يا قوم إنّكم سائرون إلى أرض كثيرة الأوعار(28) وليس لكم من تستشيرونه وترجعون إلى أمره، والرأي عندي أنّكم تقدمون عليكم رجلاً لتستندوا إلى رأيه وترجعوا إلى أمره.

فاختلف القوم كل يريد أن يقدّم زعيمه، إلى أن قال ميسرة: والله ما نقدّم إلاّ سيدنا محمّد بن عبد الله، وقال بنو هاشم: ونحن أيضاً نقدّم محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأراد أبو جهل أن يعارض في ذلك فانبرى لـه حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) وحال دون مراده فتشادّا.

فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لعمّه حمزة: يا عمّاه دعوا القوم يسيرون أول النهار ونحن نسير آخره، فإنّ التقدّم لقريش(29).

في وادي الأمواه

ثم إنّهم ساروا إلى أن بعدوا عن مكة فنزلوا بوادٍ يقال لـه «وادي الأمواه» لأنه مجتمع السيول وأنهار الشام ومنه تنبع عيون الحجاز، فنزلوا وحطّوا رحالهم وإذا بالسحب قد اجتمعت، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أخشى على أهل هذا الوادي أن يباغتهم السيل فيذهب بأموالهم، والرأي عندي أن نلوذ إلى هذا الجبل.

فقال لـه العباس: نعم ما رأيت يا بن أخي.

فأمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أن ينقلوا رحالهم إلى الجبل، ففعلوا إلاّ رجلاً من جمح وكان لـه مال كثير فأبى أن يتغيّر من مكانه وقال: ما أضعف قلوبكم تفرّون من شيء لم تروه؟!

فما استتمّ كلامه إلاّ وتراكمت السحب ونزل السيل وامتلأ الوادي وأصبح الرجل كأنه لم يكن.

وقد مكث القوم في ذلك المكان أربعة أيام والسيل يزداد، فقال ميسرة: يا سيدي هذه السيول لا تنقطع إلى شهر وإن أقمنا هاهنا نفد زادنا، والرأي عندي أن نرجع إلى مكة.

فلم يجبه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى ذلك.

ثم إنّه(صلى الله عليه وآله وسلم)نام فرأى في منامه ملكاً يقول لـه: يا محمد لا تحزن إذا كان غداة غد مُر قومك بالرحيل وقف على حافّة الوادي فإذا رأيت الطير الأبيض قد خط بجناحه فاتبع الخط وأنت تقول: (بسم الله بالله) وأمر قومك أن يقولوا هذه الكلمة فمن قالها سلم ومن لم يقلها غرق.

فاستيقظ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو فرح مسرور، ثم أمر ميسرة أن ينادي في الناس بالرحيل فرحلوا.

فقال الناس: يا ميسرة وكيف نسير وهذا الماء لا تقطعه إلاّ السفن؟

فقال: أمّا أنا فإنّ سيّدي أمرني وأنا لا اُخالفه.

فقال القوم: ونحن أيضاً لا نخالفه.

فسار القوم، وتقدّم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ووقف على حافّة الوادي وإذا بالطير الأبيض قد أقبل من قمّة الجبل وخطّ بجناحيه خطاً أبيض يلمح، فشمّر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أذياله واقتحم الماء وهو يقول: بسم الله وبالله، فلم يصل الماء إلى نصف ساقه، ونادى: أيّها الناس لا يدخل أحد منكم الماء حتى يقول هذه الكلمة فمن قالها سلم، ومن لم يقلها هلك.

فاقتحم القوم الماء وهم يقولون الكلمة ولم يتأخر منهم إلاّ رجلين، فقال أحدهما: بسم الله وبالله. وقال الآخر: بسم اللاّت والعزّى، فغرق الثاني وأمواله، وسلم الآخر وأمواله.

فقال القوم للأول: ما بال صاحبك غرق؟

قال: إنه قد خالف قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فغرق.

فاغتمّ أبو جهل وقومه من ذلك وقالوا: ما هذا إلاّ سحر عظيم.

فقال لـه بعض أصحابه: ما هذا بسحر ولكن والله ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أفضل من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(30).

كرامة أخرى

ثم إنّهم ساروا حتى نزلوا على بئر كانت تنزل عنده العرب في طريقها إلى الشام، فعمد أبو جهل إلى الرمل والحصى وملأ حجره وطمّ به البئر، فقال لـه أصحابه: ولِمَ تفعل ذلك؟

فقال: اُريد دفنها حتى إذا جاء بنو هاشم وقد أجهدهم العطش فيموتوا عن آخرهم.

ففعل القوم مثل فعله ولم يتركوا للبئر أثراً.

فقال أبو جهل: الآن قد بلغت مرادي، ثم التفت إلى عبد لـه اسمه فلاح وقال له: خذ هذه الدابة وهذه القربة والزاد واختف تحت الجبل فإذا جاء ركب محمّد وقد أجهدهم العطش والنصب ولم يجدوا للبئر أثراً فيموتوا فائتني بخبرهم فإذا بشّرتني بموتهم أعتقتك وزوّجتك بمن تريد من أهل مكة.

فقال الغلام: سمعاً وطاعة وحبّاً وكرامة.

ثم سار أبو جهل وبقي العبد كما أمره، وما هي إلاّ ساعات وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدّمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتبادر القوم إلى البئر فلم يجدوا لـه أثراً، فضاقت صدورهم وأيقنوا بالهلاك فلاذوا بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لهم: هل كان هنا موضع فيه ماء؟

قالوا: نعم، كانت هناك بئر قد ردمت بالرمل والحجارة.

فمشى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى وقف على حافّة البئر، فرفع طرفه نحو السماء ودعا الله أن يسقيهم، فإذا بالحجارة والرمل قد تفرّقت ونبعت عين الماء وجرى الماء من تحت أقدامه.

فسقى القوم دوابهم وملئوا قربهم وساروا، وسار العبد إلى أبي جهل وقال: ما وراءك؟

فقال: والله ما أفلح من عادى محمّداً، وحدّثهم بما شاهد منه.

فامتلأ غيظاً وقال له: غيّب وجهك عنّي فلا أفلحت أبداً(31).

وادي ذبيان

ثم إنّ الركب سار حتى بلغ وادياً من أودية الشام يقال لـه «ذبيان»(32) وكان كثير الأشجار، فخرج منه ثعبان كبير بحيث إنّ ناقة أبي جهل خافت منه ورمته فغشي عليه، فلمّا أفاق قال لعبيده: تأخّروا جانباً فإذا جاء ركب بني هاشم يتقدّمهم محمّد قدّموه علينا لترى ناقته الثعبان، فعسى أن ترميه إلى الأرض فيموت! .

وبالفعل فقد امتثل العبيد ما أمرهم به، وإذا بركب بني هاشم قد أقبل يتقدّمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم)لهم: أراكم قد نزلتم وليس هو وقت نزولكم؟

فقال لـه أبو جهل: لقد استحييت أن أتقدّم عليك فتقدّم، فلعن الله من يبغضك.

ففرح العباس بذلك وأراد أن يتقدّم، فنهاه النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وتقدّم أمامهم ودخل إلى ذلك الشعب وإذا بالثعبان قد ظهر، فارتعدت منه ناقة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فزعق بها (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم التفت إلى الثعبان وقال له: ارجع من حيث أتيت.

فنطق الثعبان بقدرة الله تعالى وقال: السلام عليك يا محمد.

فأجاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)سلامه.

فقال الثعبان: يا محمد ما أنا من هوام الأرض وإنّما أنا ملك من ملوك الجن وقد آمنت على يد أبيك إبراهيم الخليل (عليه السلام) وسألته الشفاعة، فقال: هي لولد يظهر من نسلي يقال لـه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ووعدني أن أجتمع بك في هذا المكان، وقد شاهدت المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) ليلة عرج به إلى السماء وهو يوصي الحواريين باتّباعك والدخول في ملّتك والآن قد جمع الله شملي بك فلا تنسني من الشفاعة يا سيد المرسلين.

فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لك ذلك عليّ فعد من حيث جئت ولا تتعرّض لأحد من الركب.

فغاب الثعبان، فلمّا نظر القوم إلى كلامه عجبوا من ذلك، وازداد أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقيناً بنبوّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وفرحاً(33).

نبع الماء من بين أصابعه (صلى الله عليه وآله وسلم)

ثم إنّهم ساروا ونزلوا وادياً كانوا يستفيدون من الماء الذي فيه منذ القدم فلم يجدوا فيه شيئاً، فشمّر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عن ذراعيه وغمس كفّيه في الرمل ورمق بطرفه السماء ودعا بكلمات، فنبع الماء من بين أصابعه وجرت على الأرض أنهار.

فقال العباس: أمسك يا بن أخي أخشى أن تغرق أموالنا، فشربوا جميعاً وملئوا قربهم وسقوا دوابهم.

فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لميسرة: إذا كان عندك شيء من التمر فأحضره، فكان(صلى الله عليه وآله وسلم)يأكل التمر ويغرس النوى في الأرض، فقال لـه العباس: لِمَ تفعل ذلك يا بن أخي؟

قال: يا عم اُريد أن أغرسها نخلاً.

فقال العباس: ومتى تأكل ثماره؟

قال: الساعة نأكل منها ونتزوّد إن شاء الله تعالى.

فقال العباس: إنّ النخلة إذا غرست تثمر في خمس سنين؟!

قال: يا عم سوف ترى من آيات ربّي الكبرى.

وبعد ذلك ساروا حتى غابوا عن الوادي، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عم ارجع إلى الموضع الذي غرست فيه النخلات واجمع لنا ما نأكله.

فعاد العباس فرأى النخلات قد أثمرت، فملأ منها راحلته والتحق بالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فكان يأكل منه ويطعم القافلة.

آنذاك غضب أبو جهل وقال: لا تأكلوا يا قوم ممّا يصنعه محمّد الساحر.

فأجابوه قائلين: ما هذا بسحر.

مع الراهب النصراني

وما هي إلاّ ساعة حتّى تحرّك الركب إلى أن وصلوا عقبة أيلة(34) وكان بها دير(35) وقد كان مملوّاً رهباناً، وكان فيهم راهب يرجعون إليه قد طالع الكتب وعنده سفر(36) قديم فيه صفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من عهد عيسى بن مريم (عليه السلام) .

وكان إذا قرأ الإنجيل على الرهبان ووصل إلى صفاته(صلى الله عليه وآله وسلم)بكى وقال: متى تبشّروني بمجيء البشير النذير الذي يبعثه الله من تهامة(37) متوّجاً بتاج الكرامة تظلّه الغمامة يشفع في العصاة يوم القيامة؟

فقال لـه الرهبان: لقد قتلت نفسك بالبكاء والأسف على هذا الذي تذكره وعسى أن يكون قد قرب وقته.

فقال: إي والله إنه قد ظهر بالبيت الحرام ودينه عند الله الإسلام فمتى تبشّروني بقدومه من أرض الحجاز؟

فبقي الراهب على تلك الحال حتّى قدم بعض الرهبان وقد أشرقت الأنوار من جبين النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فنظر الرهبان إلى نوره، فقالوا: يا أبا الرهبان هذا ركب قد أقبل من الحجاز.

فقال: يا أولادي كثيراً ما مرّت بنا الركبان.

فقالوا: يا أبانا قد رأينا نوراً قد علا.

فرمق بطرفه نحو السماء وقال: إلهي بجاه هذا المحبوب الذي زاد فيه تفكّري إلاّ ما رددت عليّ بصري.

فما استتمّ حديثه حتى ردّ الله عليه بصره، فقال للرهبان: كيف رأيتم جاه هذا الرسول عند علاّم الغيوب؟.

ثم إنّه قال لمن حوله: إن كان النبي المبعوث في هذا الركب فلابدّ أن ينزل تحت هذه الشجرة فإنّها تخضرّ وتثمر، فقد جلس تحتها العديد من الأنبياء وهي من عهد عيسى بن مريم (عليه السلام) يابسة، وهذه البئر لم نر فيها ماء، فإنه يأتي إليها ويشرب منها.

فما هي إلاّ ساعة وإذا بالركب قد أقبل ونزلوا عند البئر وحطّوا رحالهم وكان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يحبّ الخلوة بنفسه فجلس تحت الشجرة فاخضرّت وأثمرت من ساعتها.

فما استقرّ بهم المجلس حتى قام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فمشى إلى البئر وكانت قد جفّت، فنظر إليها وتفل فيها فتفجّرت منها عيون كثيرة ونبع منها ماء معين.

فلمّا رأى الراهب ذلك قال: يا أولادي هذا هو المطلوب، فإنه سيد الأنام لنأخذ منه الذمّة لبقيّة الرهبان.

فبادروا وهيّئوا الولائم فرحاً به وانزلوا إلى سيّد القافلة وقولوا له: إنّ أبانا يسلّم عليك وهو يدعوك إلى وليمته.

فنزل بعضهم ولم ير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبر أبا جهل بما قاله الراهب، فنادى في العرب إنّ هذا الراهب قد صنع لأجلي وليمة واُريد أن تجيبوا دعوته.

فقال القوم: من نترك عند أموالنا؟

فقال أبو جهل: اجعلوا محمّداً عندها فهو الصادق الأمين.

وبالفعل، فقد جاء القوم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وسألوه أن يجلس عند متاعهم وذهبوا إلى الراهب يتقدّمهم أبو جهل.

فلمّا دخلوا على الدير رحّب بهم وقدّم لهم الطعام، فشرعوا بالأكل وأخذ الراهب ينظر إليهم رجلاً بعد الآخر، فلم ير صفة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في أحدهم، فقال: وا خيبتاه إنّ الذي انتظرناه لم نجده.

ثم قال بعد ذلك: يا أسياد قريش هل بقي منكم أحد؟

فقال أبو جهل: نعم بقي صبي صغير أجير على أموال بعض نسائنا.

فنهره حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) وقال: لِمَ لا قلت: تأخّر منّا البشير النذير والسراج المنير، تركناه عند متاعنا لأمانته وليس فينا أصلح منه.

ثم التفت حمزة (عليه السلام) إلى الراهب وقال: أرني السفر وأخبرني بما فيه.

ولمّا لاحظوا الصفات التي فيه قال العباس: يا راهب إذا رأيته تعرفه؟

قال: نعم.

قال: سر معي إلى الشجرة فإنّ صاحب هذه الصفة تحتها.

فخرج الراهب من الدير مجدّاً في خطواته حتى بلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا رآه نهض قائماً وقال: مرحباً، السلام عليك يا رسول الله.

فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليك السلام يا عالم الرهبان ويا ابن اليونان.

فقال الراهب: وما أدراك أنّي ابن اليونان.

قال: الذي أخبرك أنّي اُبعث في آخر الزمان.

فانكبّ الراهب على قدميه يقبّلهما.

ثم إنه اصطحب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى وليمته، ولمّا أشرف على القوم قاموا لـه إجلالاً وأجلسوه في أوساطهم في أعلى مكان.

ووقف الراهب بين يديه والرهبان حوله، فرمق الراهب بطرفه السماء وقال: إلهي وسيدي ومولاي أرني خاتم النبوّة.

فأرسل الله عزّوجلّ جبرئيل ورفع ثيابه عن ظهره، فظهر خاتم النبوّة بين كتفيه فسطع منه نور ساطع.

فلمّا رآه الراهب خرّ ساجداً هيبة من ذلك النور، ثم رفع رأسه وقال: هو أنت حقّاً(38).

محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

لا يخفى أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)تعرّض في حياته أكثر من مرّة لمحاولة اغتيال من قبل اليهود وغيرهم، ومنها عندما نزل(صلى الله عليه وآله وسلم)في الشام التي قدم إليها للتجارة في أموال السيدة خديجة (سلام الله عليها).

ففي التاريخ أنّ قافلة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لمّا نزلت أرض الشام ونزلوا بها تبادر أهل المدينة واشتروا بضاعتهم وباعت قريش بضائعها بأغلى الأثمان، وأمّا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فإنه لم يبع شيئاً من بضاعته، حتّى أنّ أبا جهل أخذ يسخر به.

فلمّا أصبح الصباح نادى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في العرب، فلمّا أقبلوا يريدون البضائع لم يجدوا إلاّ بضائع خديجة فاشتروها بأضعاف ما باعت قريش، فاغتمّ أبو جهل لذلك غمّاً شديداً، ولم يبق من بضائع خديجة إلاّ حمل بعير فجاء رجل من أحبار اليهود وكهّانهم وكان قد اطّلع على صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا نظر إليه عرفه بالنور وقال: هذا الذي يسفّه أحلامنا ويعطّل أدياننا ويرمّل نسواننا، ولذا فإنه قصد قتله(صلى الله عليه وآله وسلم)فدنا منه وقال: بكم هذا الحمل؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): بخمسمائة درهم لا ينقص منها شيء.

قال: اشتريت بشرط أن تسير معي إلى منزلي.

فقبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسارا إلى منزله، فلمّا قرب اليهودي من منزله هرع إلى زوجته وقال لها: اُريدك منك أن تعينيني على قتل هذا الذي يعطّل أدياننا.

فقالت: وماذا أصنع به؟

قال: خذي فردة الرحى واجلسي على باب الدار فإذا رأيتيه قبض منّا الثمن وخرج، ارميها عليه لتقتله ونستريح منه.

وبالفعل فقد أخذت زوجة اليهودي الرحى وصعدت إلى سطح الدار، فلمّا خرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)همّت أن تلقيها عليه فأمسك الله يديها ورجف قلبها وغشي عليها وكان لها ولدان قائمان بفناء الدار فسقطت الرحى عليهما فماتا.

فلمّا نظر اليهودي إلى ما جرى على أولاده نادى قومه برفيع صوته، فأجابوه من كل حدب وصوب وقالوا له: ماذا بك؟

فقال: اعلموا أنه قد حلّ ببلدكم هذا الرجل الذي يعطّل أديانكم ويسفّه أحلامكم وقد دخل منزلي وقتل أولادي.

فلمّا سمعوا ذلك منه ركبوا خيولهم وجرّدوا سيوفهم وحملوا على قريش كافة.

فلمّا نظر أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى اليهود، همّوا بهم وارتفع الصياح.

وآنذاك وبعد أن رأى اليهود بأس قريش أجمعوا على أن يبعثوا بعض رؤسائهم مجرّدين عن السلاح.

فلمّا رأتهم قريش من غير سلاح قالوا ما شأنكم؟

قالوا: إنّ هذا الرجل الذي معكم ـ يعنون بذلك النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ أول من يبدئ بخراب دياركم وقتل رجالكم وتحطيم أصنامكم، والرأي عندنا أن تسلّموه لنا حتى نقتله ونستريح منه نحن وأنتم.

فلمّا سمع حمزة الكلام قال: يا ويلكم هيهات هيهات أن نسلّمه إليكم، فهو نورنا وسراجنا ولو تلفت فيه أرواحنا فهي فداه دون أموالنا.

فيئس اليهود من بلوغ مرادهم ورجعوا على أعقابهم(39).

عودة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى مكّة

ينقل المؤرخون أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)حينما أشرف على مشارف مكة المكرّمة بعث المخبرين كي يبشّروا بقدومه إلى مكة …

وبالفعل، فقد أخذ المبشّرون يبشّرون بقدومه(صلى الله عليه وآله وسلم)ويخبرون الناس عن عظيم تجارته ومدى موفّقيته في سفره، وكيف أنه(صلى الله عليه وآله وسلم)حاز على الكثير من البركات في هذه السفرة الشاقّة.

ولذا فإنّهم لمّا علموا بالخبر خرجوا مبادرين يسبقهم عبيد خديجة وجواريها، فكان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لا يمرّ على عبد من عبيد خديجة إلاّ يعقر ناقة فرحاً بقدومه.

ثم تفرّق الناس إلى منازلهم ونظرت السيّدة خديجة(عليها السلام) إلى جِمالها وقد أقبلت سالمة وكانت قد اعتادت أن يموت بعضها في كل سفرة ويجرّب البقية إلاّ في هذه السفرة، فإنّها لم تنقص منها شعرة، فوقف الناس متعجّبين من ذلك وأخذوا يتساءلون لمّا تمرّ بهم الجمال: لمن هذه؟

فيقال: هذا ما أفاده محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)لخديجة من الشام.

فذهلت عقولهم.

ولمّا اجتمعت أموال السيّدة خديجة فكّوا رحالها وعرضوا الجميع عليها وكانت جالسة خلف الحجاب والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس وسط الدار و(ميسرة) يعرض عليها الأمتعة شيئاً فشيئاً.

فدهشت من بركة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعثت إلى أبيها تخبره بذلك وترغّبه في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

فما هي إلاّ ساعة واحدة وإذا بخويلد قد أقبل ودخل منزل السيّدة خديجة وإذا بها تقوم لـه إجلالاً وتجلسه إلى جنبها وتبدأه بالترحيب به، ثم أخذت تعرض عليه البضائع وهي تقول: يا أبت هذا كلّه ببركة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)والله يا أبتاه إنه مبارك(40).

طلب الزواج من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

هناك الكثير من المؤيّدات التي تدل على أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) لم تكن على دين أهل مكة من الشرك، بل كانت مؤمنة على دين إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، منها: حرصها الشديد على أن تكون هي صاحبة الشرف العظيم في أن تكون زوجة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذا إنما يدلّ على عمق معرفتها وتقديسها للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي يحمل في جبينه نور الرسالة الخاتمة.

نعم، فلمّا عرفت السيدة خديجة مقام الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)واطمأنت بأنه نبي آخر الزمان بذلت كل ما لديها كي تنال شرف الزواج منه.

ففي التاريخ أنّها (عليها السلام) عرضت نفسها عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت له: قم إلى عمومتك وقل لهم يخطبوني لك من أبي، ولا تخش من كثرة المهر فهو عندي.

فخرج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من عندها ودخل على عمّه أبي طالب (عليه السلام) والسرور في وجهه، فوجد أعمامه مجتمعين

فنظر إليه أبو طالب (عليه السلام) وقال: يا بن أخي يهنؤك ما أعطتك خديجة وأظنّها قد غمرتك من عطاياها؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عم لي إليك حاجة.

قال: وما هي؟

قال: تنهض أنت وأعمامي هذه الساعة إلى خويلد وتخطبون لي منه خديجة.

فاختلف أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بين مؤيّد ومخالف.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا معشر الأعمام قد أطلتم الكلام فيما لا فائدة فيه، قوموا واخطبوا لي خديجة من أبيها فما عندكم من العلم مثل ما عندي منها(41).

ميسرة يتحدّث عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

من الذين أشادوا بفضائل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وحدّثوا السيدة خديجة (عليها السلام) عن عظيم مقاماته هو (ميسرة) خادمها الذي رافق النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)طيلة سفره إلى الشام وشاهد بعينيه كل المعاجز والكرامات المحمودة التي اتّفقت لـه أثناء الطريق.

فلمّا عاد ميسرة من السفر التفتت إليه السيدة خديجة وقالت: حدّثني كيف كان سفركم؟ وما الذي عاينتم من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال: يا سيدتي وهل اُطيق أن أصف لك بعضاً من صفاته وما عاينت منه(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أخبرها بحديث السيل والبئر والثعبان والنخل وما أخبره الراهب وما أوصاه إلى خديجة.

فقالت: حسبك يا ميسرة اذهب فأنت حرّ لوجه الله، وزوجتك وأولادك، ولك عندي مائتا درهم وراحلتان وخلعت عليه خلعة سنية(42) وقد امتلأ سروراً وفرحاً.

ثم إنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) التفتت إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: يا سيدي كيف كان سفركم؟

فأخذ(صلى الله عليه وآله وسلم)يحدّثها بما باعه وما شراه.

فرأت خديجة ربحاً عظيماً، وقالت: يا سيدي لقد فرّحتني بطلعتك وأسعدتني برؤيتك فلا لقيت بؤساً ولا رأيت نحوساً(43).

السيّدة صفية تخطب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

ولمّا علمت السيّدة صفية عمّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برغبة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في الزواج من السيدة خديجة (عليها السلام) وبعد أن اطّلعت أنّ السيّدة خديجة هي التي عرضت نفسها عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)أرادت أن تطمأن لصدق الخبر، لعلمها أنّ السيدة خديجة (عليها السلام) كانت قد ردّت الكثير من أسياد قريش وخشيت أن تكون السيدة خديجة (عليها السلام) غير جادّة في رغبتها، ولذا فإنّها (رضوان الله عليها) قالت لأعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): سأذهب إليها واُبيّن لكم الأمر.

فسارت إلى دار خديجة، فلقيتها بعض جواريها في الطريق فسبقتها إلى الدار وأخبرت السيّدة خديجة بقدومها.

وكانت السيدة خديجة تريد النوم فنهضت وهيّأت لها المكان.

فطرقت صفيّة الباب، ففتح وجاءت إلى السيّدة خديجة، فرحّبت بها كثيراً.

فقالت السيّدة صفيّة: يا خديجة جئت أسألك عن كلام أهو صحيح أم لا؟

فقالت خديجة: بل هو صحيح إن شئت تخفيه أو شئت تبديه، وأنا قد خطبت محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم)لنفسي وتحمّلت عنه مهري وإنّي قد علمت أنه مؤيّد من ربّ السماء.

فتبسّمت صفية من كلامها واسترّت منه.

ولمّا عزمت السيّدة صفيّة على الخروج من الدار، قالت لها السيّدة خديجة: انتظري قليلاً، وقالت: يا صفية بالله عليك إلاّ ما أعنتيني على حاجتي.

فرجعت صفية إلى أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت: يا إخوتي قوموا إن كنتم قائمين فو الله إنّ لها في ابن أخيكم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)رغبة، ففرحوا بذلك(44).

أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقصدون خويلد

وعندما عادت السيّدة صفيّة وأخبرت أعمام النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)برغبة السيّدة خديجة في الزواج منه(صلى الله عليه وآله وسلم)عمد أبو طالب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وألبسه أحسن الثياب وأفخرها وقلّده سيفاً وأركبه على جواده وأحدق به عمومته من كل جانب، ثمّ ساروا حتّى وصلوا منزل خويلد فسبقتهم الجواري إليه.

فلمّا نظر خويلد إلى بني هاشم قام لهم ورحّب بهم.

فقال أبو طالب (عليه السلام) له: يا خويلد ما جئنا إلاّ لحاجة وأنت تعلم قربنا منكم ونحن في هذا الحرم أبنا أب واحد وقد جئنا خاطبين ابنتك خديجة لسيدنا ونحن لها راغبون.

فقال خويلد: ومن الخاطب منك؟ ومن المخطوبة منّي؟

فقال أبو طالب: الخاطب منّا محمّد ابن أخي والمخطوبة خديجة.

فلمّا سمع ذلك خويلد تغيّر لونه وقال: والله إنّ فيكم الكفاية وأنتم أعزّ الخلق علينا ولكن خديجة قد ملكت نفسها وعقلها أوفر من عقلي(45).

ورقة يرغّب خديجة في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

وقد كانت السيدة خديجة (سلام الله عليها) تقدّس عمّها ورقة بن نوفل وتحترم آراءه كثيراً بل ـ وكما في التاريخ ـ أنّها كانت تستشيره في اُمورها الصعبة المهمّة.

وكما ورد في التاريخ أنّها (عليها السلام) لمّا رغبت في الزواج من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)اطّلع ورقة على حالها وقد كان مطّلعاً على أحوال نبي آخر الزمان وكيف أنه يتزوّج بامرأة تسود قومها، فرغّبها في الزواج منه وأشار عليها بفضائل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ومدى قداسة المرأة التي ستكون زوجة له.

فقد نقل العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) في (البحار) أنه: كان لخديجة عم يقال لـه ورقة، وكان قد قرأ الكتب كلّها وكان عالماً حبراً، وكان يعرف صفات نبي آخر الزمان، وكان عنده أنه يتزوّج بامرأة سيدة من قريش تسود قومها وتنفق عليه مالها وتمكّنه من نفسها وتساعده على كل الاُمور، فعلم ورقة أنه ليس بمكة أكثر مالاً من خديجة، فرجا ورقة أن تكون ابنة أخيه خديجة وكان يقول لها: ياخديجة سوف تتّصلين برجل يكون أشرف أهل الأرض والسماء(46).

مهر السيدة خديجة (عليها السلام)

لقد كانت السيّدة خديجة (عليها السلام) عظيمة الشأن، عارفة بقداسة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)مطّلعة على جلالة قدره وارتفاع مقامه الشامخ، ولذا فإنّها(عليها السلام) كانت تبذل الغالي والنفيس حتّى تحظى بزواجها منه (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقد دفعت مبلغ المهر للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)مع أنّها (عليها السلام) رفضت الزواج من أسياد العرب وزعمائهم.

وهذا إنما يدل على غور معرفتها ومدى رغبتها في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا فإنّ عمّها ورقة لمّا قال: نريد مهرها وهو كذا وكذا، أجابه أبو طالب(عليه السلام) قائلاً: رضينا بذلك.

فقال خويلد: قد زوّجت خديجة بمحمد على ذلك.

فقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عقد النكاح.

فنهض حمزة وكان معه دراهم فنثرها على الحاضرين.

وفي نفس الوقت قام أحد الحاضرين وقال: يا قوم رأينا الرجال يمهرون النساء، ولم نر النساء يمهرن الرجال؟

فنهض أبو طالب (عليه السلام) وأجابه قائلاً: مثل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)يحمل إليه ويٌعطى ومثلك من يهدي ولا يقبل منه.

ثم إنّه سمع الناس منادياً ينادي من السماء: إنّ الله تعالى قد زوّج بالطاهر الطاهرة وبالصادق الصادقة.

وأمر الله عزّوجلّ جبرئيل أن يرسل على الناس الطيّب على البرّ والفاجر.

ثمّ إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ذهب إلى منزل عمّه أبي طالب (عليه السلام) وقد أحدق به أعمامه من كل حدب وصوب فاجتمعوا في دار خديجة (عليها السلام).

وقد بعثت السيّدة خديجة (عليها السلام) أربعة آلاف دينار إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقالت: ابعثها إلى عمّك العباس ليرسلها إلى أبي، وأرسلت مع المال خلعة(47) سنيّة، فسار بها كل من العباس وأبو طالب إلى منزل خويلد وألبساه الخلعة.

فقام خويلد من ساعته إلى دار ابنته السيّدة خديجة وقال: يا بنية ما الانتظار ب
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 3:53 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

- الحلقة الثالثة -

السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) والدة الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)


نسبها وزواجها

هي السيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

تقدّم أبو طالب (عليه السلام) إلى والدها أسد بن هاشم وخطبها منه، ولمّا حضرت الوفود لخطبة الزواج والاحتفال بالعروسين، قام أبو طالب وقال:

(الحمد لله ربّ العالمين، ربّ العرش العظيم، والمقام الكريم، والمشعر والحطيم، الذي اصطفانا أعلاماً، وسدنة، وعرفاء، وخلصاء، وحجّته بهاليل، أطهار من الخنى والريب، والأذى والعيب، وأقام لنا المشاعر، وفضّلنا على العشائر، نخب آل إبراهيم وصفوته وزرع إسماعيل).

ثم قال: تزوّجت فاطمة بنت أسد وسقت المهر ونفذت الأمر، فاسألوه واشهدوا.

فقال أبوها أسد: زوّجناك ورضينا بك، ثم أطعم الناس(1).

ثمّ انتقلت السيّدة فاطمة بنت أسد إلى بيت أبي طالب، المؤمن الموحّد، الذي أقام للشريعة الحنفية أساسها، وركّز للقرآن الكريم دعائمه، وفدى نفسه من أجل حياة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأباد بحكمته وثباته وأولاده ودفاعه عن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)قواعد الكفر والشرك، وأذناب الشيطان، رحمة الله تعالى وبركاته وتحياته على روحه وبدنه الطاهر إلى أن يبعث حياً.

وقد عاشت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) إلى جانب أبي طالب (عليه السلام)، وقامت بأعباء المسؤولية في إدارة بيته وتدبير شؤون منزله، بصبر وصدق وإخلاص، وطهارة وصفاء ومحبّة وإيمان وطيب، وأنجبت لـه أولاداً بين ذكور وإناث هم:

1: طالب.

2: عقيل.

3: جعفر.

4: علي (عليه السلام).

5: اُم هانىء.

6: جمانة(2).

فاطمة تتحدّث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

عن السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، قالت: لمّا ظهرت أمارة وفاة عبدالمطّلب، قال لأولاده: من يكفل محمداً؟

قالوا: هو أكيس(3) منّا، فقل لـه يختار لنفسه.

فقال عبد المطّلب: يا محمد جدّك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعمّاتك تريد أن يكفلك؟

فنظر في وجوههم ثمّ زحف إلى عند أبي طالب (عليه السلام).

فقال لـه عبد المطّلب: يا أبا طالب إني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن لـه كما كنت له.

قالت: فلمّا توفّي أخذه أبو طالب، وكنت أخدمه وكان يدعوني الأم.

قالت: وكان في بستان دارنا نخلات، وكان أول إدراك الرطب ، وكان أربعون صبياً من أتراب(4) محمّد، يدخلون علينا كل يوم في البستان، ويلتقطون ما يسقط، فما رأيت قطّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)يأخذ رطبة من يد صبي سبق إليها، والآخرون يختلس بعضهم من بعض، وكنت كل يوم ألتقط لمحمد حفنة(5) فما فوقها، وكذلك جاريتي، فاتّفق يوماً أن نسيت أن ألتقط لـه شيئاً، ونسيت جاريتي، وكان محمّد نائماً، ودخل الصبيان وأخذوا كل ما سقط من الرطب، وانصرفوا فنمت فوضعت الكم(6) على وجهي حياء من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

قالت: فانتبه محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ودخل البستان فلم يرَ رطبة على وجه الأرض، فانصرف، فقالت لـه الجارية: إنّا نسينا أن نلتقط شيئاً، والصبيان دخلوا وأكلوا جميع ما كان قد سقط.

قالت: فانصرف محمد إلى البستان، وأشار إلى نخلة، وقال: أيّتها الشجرة أنا جائع!

قالت: فرأيت النخلة قد وضعت أغصانها التي عليها الرطب، حتى أكل منها محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أراد، ثم ارتفعت إلى موضعها.

قالت فاطمة: فتعجّبت، وكان أبو طالب قد خرج من الدار، وكل يوم إذا رجع وقرع الباب كنت أقول للجارية حتى تفتح الباب، فقرع أبو طالب الباب فعدوت حافية إليه وفتحت الباب وحكيت لـه ما رأيت.

فقال: هو إنما يكون نبياً، أنت تلدين وزيره بعد ثلاثين، فولدت علياً (عليه السلام) كما قال(7).

إن فاطمة بنت أسد ولدت طالباً، ولم نعرف لـه خبراً وقالوا: إنه لا عقب له، وقد توفّي قبل أن يهاجر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بثلاث سنين.

كما ولدت عقيلاً وجعفراً وعلياً، وكل واحد أسنُّ من الآخر بعشر سنين.

وولدت من البنات: اُم هانيء واسمها (فاختة)، وجمانة.

البشارة بميلاد الأمير (عليه السلام)

سبق أنّ الكثير بشّروا بميلاد النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)وأشاروا إلى صفاته وخصاله الحميدة، وكذلك كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد بشّروا بميلاده الشريف وصرّحوا بعظيم شأنه (عليه السلام).

فمّما جاء في الروايات الشريفة:

أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) قبل أن ترزق ولداً كانت يوماً جالسة مع الفواطم تتحدّث، إذ أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد تبعه بعض الكهّان ينظر إليه، إلى أن أتى إليهنّ فسألهنّ عنه.

فقلن: هذا محمّد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ.

فأخبرهنّ الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشّرهنّ بما سيكون من مستقبل أمره، وأنه سيبعث نبياً وينال منالاً علياً، وقال: إنّ التي تكفله منكنّ في صغره سيكفل لها ولداً يكون عنصره من عنصره، يختصّه بسرّه وبصحبته، ويحبوه بمصادقته وأُخوّته.

فقالت لـه السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أنا التي كفلته وأنا زوجة عمّه الذي يرجوه ويؤمله.

فقال: إن كنت صادقة فستلدين غلاماً علاّماً مطواعاً لربّه هماماً، اسمه على ثلاثة أحرف، يلي هذا النبي في جميع أُموره، وينصره في قليله وكثيره، حتى يكون سيفه على أعدائه وبابه لأوليائه، يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات، تهاب صولته أطفال المهاد، وترتعد من خيفته، لـه فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة، يهاجر إلى النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الدافن لـه في حجرته.

قالت أُم علي (عليه السلام): فجعلت أُفكّر في هذا القول، فلمّا كان الليل رأيت في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلت تدبّ وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح من صدورها بصوت مهول فأسرعت نحوها جبال مكّة وأجابتها بمثل صياحها وأهول وهي كالشرد المحمر وأبو قبيس(8) ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك، فلقطت معهم أربعة أسياف وبيضة حديدة مذهبة، فأوّل ما دخلت مكة سقطت منها سيف في ماء فغمر، وطار الثاني في الجو واستمرّ، وسقط الثالث إلى الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً، فبينا أنا به أصول إذا صار السيف شبلاً فتبيّنته فصار ليثاً مهولاً فخرج عن يدي ومرّ نحو الجبال يجوب بلاطحها (9) ويخرق صلادحها(10) والناس منه مشفقون ومن خوفه حذرون، إذ أتى محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فقبض على رقبته فانقاد لـه كالظبية الألوف فانتبهت وقد راعني الزمع(11) والفزع، فالتمست المفسّرين والمخبرين فقالوا: أنت تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتاً بعدهم، وإنّ أحد البنين يغرق والآخر يقتل في الحرب والآخر يموت ويبقى لـه عقب والرابع يكون إماماً للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة.

فقالت السيّدة فاطمة: فلم أزل مفكّرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلاً وطالباً وجعفراً ثم حملت بعلي(عليه السلام)، فلمّا كان الشهر الذي ولدته فيه رأيت في منامي كأنّ عمود حديد قد انتزع من أُمّ رأسي ثم سطع في الهواء حتى بلغ السماء ثم ردّ إلي فقلت: ما هذا؟

فقيل لي: هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر بأسه شديد يفزع من خيفته وهو معونة الله لنبيه وتأييده على عدوّه.

قالت: فولدت علياً (عليه السلام)(12).

إنها تتحدّث عن ولادتها

من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالى في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في ذلك المكان الطاهر.

روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام)قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.

قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:

أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.

قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.

قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(عليه السلام) على يديها، ثم قالت:

معاشر الناس إنّ الله عزّوجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة(13) من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلى وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.

قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال لـه علي (عليه السلام): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.

ثم دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا دخل اهتزّ لـه أمير المؤمنين (عليه السلام) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون}(14) إلى آخر الآيات.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}(15).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.

ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به.

فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟

قال: أنا أرويه.

فقالت فاطمة: أنت ترويه؟

قال: نعم، فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.

قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي (عليه السلام) إلى عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.

قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّى فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص(16) لربّي بإصبعي.

قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون لـه شأن ونبأ.

قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فلمّا بصر عليّ (عليه السلام) برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.

قال: فأخذه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.

قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني علي.

قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا على ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر(17).

وفي حديث آخر: وضعته أمه بين يدي النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة(18).

ميلاد الإمام علي (عليه السلام)

من الأمور المتّفق عليها أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) قد ولد في جوف الكعبة، وهي منزلة عظيمة من مختصّاته التي انفرد بها دون سواه من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)فضلاً عن الناس العاديين(19).

ففي الحديث عن سعيد بن جبير قال: قال يزيد بن قعنب كنت جالساً مع العباس بن عبد المطّلب وفريق من عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانت حاملة به لتسعة أشهر وقد أخذها الطلق، فقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وإنه بنى البيت العتيق فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال يزيد بن قعنب: فرأينا البيت وقد انفتح عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا والتزق الحائط، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أنّ ذلك أمر من الله تعالى.

ثم خرجت بعد الرابع وبيدها أمير المؤمنين (عليه السلام) الحديث(20).

إيمان فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

ويستفاد من هذه الرواية وغيرها أن فاطمة بنت أسد (عليها السلام) كانت مؤمنة بالله عزوجل وموحدة لـه تعالى على دين إبراهيم (عليه السلام) ولم تكن تعبد الأصنام أبداً لا كسائر الجاهليين، فلما بعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت من السابقات إلى الإسلام والمؤمنات بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم).

من عظمة المولود

لا يخفى أنّ الإمام علي (عليه السلام) هو أعظم شخصية بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهذا ما نصّت عليه الأدلّة المتواترة عند العامّة والخاصّة، ولذا فإنّه (عليه السلام) كان أعظم ولد أبي طالب وأشرفهم منزلة، ومن هنا فقد أشرنا إلى كيفية ولادته (عليه السلام) دون سائر اُخوته، خاصّة أنّ الروايات الشريفة ومصنّفات التاريخ قد أشارت إلى ولادته بالتفصيل، ومن ذلك:

ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال: سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه، فلمّا خلق الله تعالى آدم (عليه السلام) قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي (عليه السلام) في بطن اُمّه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال لـه المثرم بن دعيب بن الشيقتام وكان مذكوراً في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأله ربّه أن يريه وليّاً لـه، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟

قال: رجل من تهامة.

فقال: من أي تهامة؟

قال: من مكّة.

قال: ممّن؟

قال: من عبد مناف.

قال: من أي عبد مناف؟

قال: من بني هاشم.

فوثب إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً، وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّى أراني وليّه.

ثم قال: أبشر يا هذا فإنّ العلي الأعلى قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.

قال أبو طالب: وما هو؟

قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره وهو إمام المتّقين ووصي رسول ربّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ المثرم يقرأ عليك السلام.

فبكي أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود؟

قال: اسمه علي.

فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة.

قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟

قال أبو طالب: اُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.

فدعا الراهب بذلك، فما استتمّ دعاؤه حتّى أتى بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّى رجع إلى منزله فأكلها، فتحوّلت ماء في صلبه فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي (عليه السلام) وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أياماً حتّى لقيت قريش من ذلك شدّة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس حتّى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم. فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها، فلمّا بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا.

فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن.

فقالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.

فبكى أبو طالب ورفع يده إلى الله عزّوجلّ وقال: إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة(21) بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها(22).

فلمّا قربت ولادته أتت السيّدة فاطمة إلى بيت الله وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم (عليه السلام) فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه، فإذا هي بحواء ومريم وآسية واُمّ موسى وغيرهن، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته، فلمّا ولد سجد على الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ علياً وصي محمّد رسول الله، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول: أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي ربّ العالمين(23).

الحيدرة

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال يوم خيبر:

كليث غابات شديد قسورة

أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا ولد سمّته اُمّه (السيّدة فاطمة بنت أسد) أسداً باسم أبيها، فلمّا رجز الإمام علي (عليه السلام) يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمّته به اُمّه.

وحيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد(24).

الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يتلقى الأمير (عليه السلام)

فور ما ولدت السيدة فاطمة بنت أسد علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت به من الكعبة الشريفة جاء جبرئيل الأمين إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)وهنّأه بهذا المولود المبارك وأشار عليه أن يذهب لاستقباله..

فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ في خبر طويل ـ قال: لقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي (عليه السلام) فقال: يا حبيب الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويهنّئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيّدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعلنت به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنّه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجّلون.

فقمت مبادراً، فوجدت فاطمة بنت أسد اُمّ علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها.

فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً(25) فإذا وضعت بعلي تتلقّاه، ففعلت ما أمرت به. ثم قال لي: اُمدد يدك يا محمّد، فمددت يدي اليمنى نحو اُمّه فإذا أنا بعلي على يدي واضعاً يده اليمنى في اُذنه اليمنى وهو يؤذّن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عزّوجلّ وبرسالاتي، ثم انثنى إليّ وقال: السلام عليك يا رسول الله.

ثم قال لي: يا رسول الله اقرأ؟

قلت: اقرأ فو الذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عزّوجلّ على آدم، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقرّ لـه أنه أحفظ لـه منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقرّ لـه بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي لـه الساعة من غير أن أسمع منه آية.

ثمّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء (عليهم السلام)ثم عاد إلى حال طفوليته وهكذا أحد عشر إماماً من نسله، فلِمَ تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك؟

بالله هل تعلمون أنّي أفضل النبيين وأنّ وصيي أفضل الوصيين وأنّ أبي آدم لمّا رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم(عليهم السلام) مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك منّي؟

فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولا ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم.

فلمّا عصى آدم ربّه وسأله بحقّنا أن يتقبّل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنّا الكلمات تلقّاها آدم من ربّه عزّوجلّ فتاب عليه وغفر لـه، فقال لـه: يا آدم أبشر فإنّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربّه عزّوجلّ وافتخر على الملائكة بنا، وإنّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا.

فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم النار(26).

وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)

وحيث بلغ بنا الحديث إلى ذكر مناقب هذه السيّدة الجليلة فلا بأس بالإشارة إلى بعض المقتطفات التي تدلّ على مقامها الشامخ ومكانتها الرفيعة، وذلك في حديث وفاتها (سلام الله عليها).

فعن عبد الله بن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً وهو يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مه يا علي.

فقال علي: يا رسول الله ماتت اُمّي فاطمة بنت أسد!.

قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: رحم الله اُمّك يا علي، أما إنّها كانت لك اُمّاً فقد كانت لي اُمّاً، خذ عمامتي هذه وخذ ثوبي هذين فكفّنها فيهما ومر النساء فليحسن غسلها ولا تخرجها حتى أجيء فإليّ أمرها.

قال: وأقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ساعة واُخرجت فاطمة اُمّ علي(صلى الله عليه وآله وسلم)فصلّى عليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة لم يصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبّر عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلى القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع لـه أنين ولا حركة..

ثم قال: يا علي اُدخل، يا حسن اُدخل، فدخلا القبر، فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال لـه: يا علي اُخرج يا حسن اُخرج، فخرجا، ثم زحف النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى صار عند رأسها ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فإن أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربّي ومحمد نبيي والإسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي.

ثم قال: اللهم ثبّت فاطمة بالقول الثابت.

ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيّات، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي.

فقام إليه عمّار بن ياسر فقال: فداك أبي واُمّي يا رسول الله لقد صلّيت عليها صلاة لم تصلّ على أحد قبلها مثل تلك الصلاة.

فقال: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي منّي؟

لقد كان لها من أبي طالب (عليه السلام) ولد كثير ولقد كان خيرهم كثيراً وكان خيرنا قليلاً فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.

قال: فلِمَ كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟

قال: نعم يا عمّار التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفّاً من الملائكة فكبّرت لكل صف تكبيرة.

قال: فتمدّدك في القبر ولم يسمع لك أنين ولا حركة؟

قال: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة ولم أزل أطلب إلى ربّي عزّوجلّ أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها ومصباحين من نور عند يديها ومصباحين من نور عند رجليها وملكيها الموكّلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة(27).

وفي بعض الروايات أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كبر على جنازتها سبعين تكبيرة ممّا يدلّ على عظمتها، ففي الحديث أنّه لمّا حانت وفاة السيّدة فاطمة بنت أسد صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها وكبّر سبعين تكبيرة ثم لحّدها في قبرها بيده الكريمة، إلى أن قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وأمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّما صلّى عليها سبعون صفّاً من الملائكة(28).

وإلى جانب ذلك، فإنّ عظم التجليل الذي أولاه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لها عند وفاتها وتشييعها ودفنها يدلّ بوضوح على عظم مقامها الرفيع.

فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من مكة إلى المدينة على قدميها، وكانت من أبرّ الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فسمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقول: إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا، فقالت: وا سوأتاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يبعثك كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّي أسأل الله أن يكفيك ذلك.

وقالت لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً: إنّي اُريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضواً منك من النار، فلمّا مرضت أوصت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمرت أن يعتق خادمها واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إيماءً، فقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصيّتها.

فبينما هو(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يبكي، فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما يبكيك؟

فقال: ماتت اُمّي فاطمة.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم):واُمّي والله،وقام مسرعاً حتى دخل فنظر إليها وبكى.

ثم أمر(صلى الله عليه وآله وسلم)النساء أن يغسلنها وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا فرغتنّ فلا تحدثنّ شيئاً حتى تعلمنني، فلمّا فرغن أعلمنه بذلك فأعطاهنّ أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهنّ أن يكفّنها فيه، وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئاً لم أفعله قبل ذلك فسلوني لِمَ فعلته.

فلمّا فرغن من غسلها وكفنها دخل(صلى الله عليه وآله وسلم)فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه.

ثم قال: فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكبّ عليها طويلاً يناجيها ويقول لها: ابنك ابنك (ابنك)، ثم خرج وسوّى عليها ثم انكبّ على قبرها، فسمعوه يقول: لا إله إلاّ الله اللهمّ إنّي أستودعها إيّاك، ثم انصرف.

فقال لـه المسلمون: إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم؟

فقال: اليوم فقدت برّ أبي طالب إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به على نفسها وولدها، وإنّي ذكرت القيامة وأنّ الناس يحشرون عراة، فقالت: وا سوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية، وذكرت ضغطة القبر، فقالت: وا ضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك فكفّنتها بقميصي، واضطجعت في قبرها لذلك وانكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه، فإنّها سُئلت عن ربّها فقالت، وسُئلت عن رسولها فأجابت، وسُئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها، فقلت: ابنك ابنك (ابنك) (29).

باب للحوائج إلى الله

وقد أصبحت السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) لمقامها الرفيع وإخلاصها الشديد من أولياء الله الذين يتوسّل بهم في قضاء الحوائج المستعصية، والمؤيّدات على ذلك كثيرة، إلاّ أنّنا نقتصر على ما يلي:

عن داود الرقّي قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ولي على رجل مال قد خفت تواه، فشكوت إليه ذلك، فقال لي: إذا صرت بمكّة فطف عن عبد المطّلب طوافاً وصلّ ركعتين عنه، وطف عن أبي طالب طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن عبد الله طوافاً وصلّ عنه ركعتين، وطف عن آمنة طوافاً وصلّ عنها ركعتين، وطف عن فاطمة بنت أسد طوافاً وصلّ عنها ركعتين، ثم اُدع أن يردّ عليك مالك، قال: ففعلت ذلك ثم خرجت من باب الصفا وإذا غريمي واقف يقول: يا داود حبستني تعال اقبض مالك(30).

قبرها الشريف

قبرها الشريف في البقيع الغرقد بقرب قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد هدم الوهابيون تلك القباب الطاهرة، ويجب على المسلمين السعي لإعادة تلك القباب الشريفة.

قال السمهودي: إنّ قبرها في موضع من البقيع كان يعرف بحمام أبي قطيفة، بجهة مشهد سيدنا إبراهيم، وعليه قبّة، واليوم يقابلها نخل يعرف بالحمام، وإنّ مشهد فاطمة معروف.

وعن عيسى بن عبدالله، عن أبيه عن جدّه، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دفن فاطمة بنت أسد بن هاشم اُمّ على بن أبي طالب بالروحاء مقابل حمام أبي قطيفة(31).

زيارتها الشريفة

ومن خصائص السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) أنّه قد وردت في حقّها زيارة خاصّة دون سائر اُمّهات المعصومين ما عدا الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) والسيّدة نرجس(عليها السلام)، وممّا يدلّ على عظم شأنها وجلالة قدرها هي العبارات الرفيعة التي وردت في زيارتها وهي:

«السلام على نبي الله، السلام على رسول الله، السلام على محمّد سيّد المرسلين، السلام على محمّد سيّد الأوّلين، السلام على محمّد سيّد الآخرين، السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على فاطمة بنت أسد الهاشمية، السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية، السلام عليك أيّتها التقية النقيّة، السلام عليك أيّتها الكريمة الرضية المرضية، السلام عليك يا كافلة محمّد خاتم النبيين، السلام عليك يا والدة سيّد الوصيين، السلام عليك يا من ظهرت شفقتها على رسول الله خاتم النبيين، السلام عليك يا من تربيتها لولي الله الأمين، السلام عليك وعلى روحك وبدنك الطاهر، السلام عليك وعلى ولدك، ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّك قد أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وبالغت في حفظ رسول الله، عارفة بحقّه، مؤمنة بصدقه، معترفة بنبوّته، مستبصرة بنعمته، كافلة بتربيته، مشفقة على نفسه، واقفة على خدمته، مختارة رضاه، مؤثرة هواه، وأشهد أنّك مضيت على الإيمان، والتمسّك بأشرف الأديان، راضية مرضية، طاهرة زكية، تقية نقية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني على محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة الأئمّة من ذرّيتها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع أولادها الطاهرين، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها أبدا، ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وادخلني في شفاعتها، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهمّ بحقّها عندك، ومنزلتها لديك، اغفر لي ولوالدي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار»(32).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص171.

(2) إعلام الورى: ص144.

(3) أكيس: أي أعقل، النهاية في غريب الحديث: ج4 ص217.

(4) أتراب: أقران، (مجمع البحرين) مادّة ترب.

(5) الحفنة: ملأ الكفّين، (لسان العرب) مادّة حفن.

(6) الكُم: من الثوب مدخل اليد ومخرجها، (لسان العرب) مادّة كمم.

(7) الخرائج والجرائح: ج1 ص138.

(8) أبو قبيس: هو اسم الجبل المشرف على مكّة، (معجم البلدان) للحموي: ج1 ص80

(9) بلاطح: أتباع، (تاج العروس): ج2 ص183.

(10) صلدح: هو الحجر العريض، كتاب (العين) مادّة صلدح.

(11) الزمع: أي التعب والدهش، (مجمع البحرين) مادّة زمع.

(12) راجع كنز الفوائد: ج1 ص252.

(13) الفلاة: الأرض التي لا ماء فيها ولا أنيس، (لسان العرب) مادّة فلو.

(14) سورة المؤمنون: 1-2.

(15) سورة المؤمنون: 10-11.

(16) البصبصة: هي أن ترفع سبّابتيك إلى السماء وتحرّكهما وتدعو، (مجمع البحرين) مادّة بصبص.

(17) الأمالي للطوسي: ص706 المجلس23 ح1511.

(18) بحار الأنوار: ج35 ص18 ب1 ضمن ح14.

(19) لمزيد من التفصيل راجع كتاب (علي (عليه السلام) وليد الكعبة) لمؤلّفه الشيخ محمّد علي ابن ميرزا أبو القاسم الاُردوبادي المتوفّى عام 1380هـ.

(20) علل الشرائع: ج1 ص135 ب116 ح3.

(21) تهامة: اسم مكّة، كتاب (العين) مادّة تهم.

(22) بحار الأنوار: ج35 ص10.

(23) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص172.

(24) راجع بحار الأنوار: ج39 ص14.

(25) سجف: أي الستر، (لسان العرب) مادّة سجف.

(26) بحار الأنوار: ج35 ص19 ح15.

(27) بحار الأنوار: ج35 ص70 ح4.

(28) مستدرك الوسائل: ج2 ص266 ب6 ح1929.

(29) الكافي: ج1 ص453 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه ح2.

(30) الكافي: ج4 ص544 باب النوادر ح21.

(31) راجع علل الشرائع: ج2 ص469 باب النوادر.

(32) مفاتيح الجنان: ص421.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 3:55 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


-الحلقة الرابعة - (الجزء الأول )


الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)

النسب الشريف

هي السيدة فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بن عبد الله بن عبد المطّلب.

اُمّها: السيدة خديجة سيدة نساء العرب، وأبوها سيد البشرية أجمعين من الأولين والآخرين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولدت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين من مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكان بعد مبعثه بخمس سنين.

أمّا فضائلها ومناقبها (سلام الله عليها)، فهي كثيرة لا يمكن استقصاؤها، وبيان شيء منها بحاجة إلى كتاب مستقل إلاّ أنّنا نقتصر على ما يلي:

عند ما خلق الله آدم (عليه السلام)

الروايات المتواترة تنصّ على أنّ أهل البيت (عليهم السلام)خلقوا قبل سائر الخلق وكانوا أنواراً محدقين حول العرش يسبّحون الله تعالى ويهللونه ويمجدونه، وهناك روايات اُخرى تصرّح بمكانة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) الرفيعة ومرتبتها العالية وجاهها العظيم عند الله عزوجل، منها:

ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا، فأوحى الله إلى جبرئيل: ائت بعبدي الفردوس الأعلى، فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك(1) الجنة وعلى رأسها تاج من نور وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟

فقال: هذه فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)نبي من ولدك يكون في آخر الزمان.

قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟

قال: بعلها علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).

قال: فما القرطان اللذان في اُذنيها؟

قال: ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام).

قال آدم: حبيبي أخلقوا قبلي؟

قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة»(3).

نور الكون

ويستفاد من الأخبار الشريفة أنّ الصدّيقة فاطمة (عليها السلام) كانت نوراً قبل أن يخلق الله سبحانه الكون، وقد نور الله بها السماوات والأرضين، ثم جعل ثواب تسبيح الملائكة وتقديسهم لها ولمحبّيها، وهذه الروايات ممّا تدلّ على عظمتها وعظمة محبّتها وفضيلة المحبّين لها (عليها السلام).

فقد ورد عن سلمان الفارسي أنّه قال: كنت جالساً عند النبي المكرّم(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ دخل العباس بن عبد المطّلب فسلّم، فردّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله! بم فضّل علينا أهل البيت علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمعادن واحدة؟

فقال لـه النبي المكرّم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذاً اُخبرك ياعم، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، ولمّا أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من نور العرش، ثم فتق من نور علي(عليه السلام) نور السماوات فعلي أجلّ من نور السماوات، ثم فتق من نور الحسن (عليه السلام) نور الشمس، ومن نور الحسين (عليه السلام) نور القمر، فهما أجلّ من نور الشمس ومن نور القمر، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلمّا أراد الله جلّ جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.

فقال الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق نور فاطمة (عليها السلام) يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه.

فقال الله عزّوجلّ: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».

قال سلمان: فخرج العباس فلقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضمّه إلى صدره فقبّل ما بين عينيه، فقال بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله(4).

حوراء إنسية

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «خلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن يخلق الأرض والسماء».

فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟.

فقال: «فاطمة حوراء إنسية».

قالوا: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟

قال: «خلقها الله عزّوجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم عرضت على آدم».

قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟

قال: «كانت في حقّة تحت ساق العرش».

قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟

قال: «التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد»

تفاحة الجنة

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حديث عن فاطمة (عليها السلام): «فلمّا خلق الله عزوجل آدم وأخرجني من صلبه وأحبّ الله عزوجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل (عليه السلام)، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.

قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل.

فقال: يا محمد! إنّ ربّك يقرؤك السلام.

قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.

قال: يا محمد! إنّ هذه تفاحة أهداها الله عزوجل إليك من الجنّة، فأخذتها وضممتها إلى صدري.

قال: يا محمد يقول الله جلّ جلاله: كلها.

ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه.

فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.

قلت: حبيبي جبرئيل، ولِمَ سمّيت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟

قال: سمّيت في الأرض فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبّها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عزوجل:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ( بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ} يعني نصر فاطمة لمحبّيها»(5)،(6).

وفي حديث آخر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: «خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، قال: خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه»(7).

قالوا: يا رسول الله اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية لا إنسية ثم تقول من عرق جبرئيل ومن زغبه؟

قال: «إذاً أنبئكم، أهدى إليّ ربّي تفاحة من الجنّة أتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فضمّها إلى صدره فعرق جبرئيل (عليه السلام) وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

قلت: وعليك السلام يا جبرئيل.

فقال: إنّ الله أهدى إليك تفاحة من الجنة فأخذتها فقبّلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري ثم قال: يا محمد كلها.

قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربّي تؤكل.

قال: نعم قد أمرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور.

قال: كل، فإنّ ذلك نور المنصورة فاطمة.

قلت: ياجبرئيل ومن المنصورة؟

قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة.

فقلت: ياجبرئيل ولِمَ سمّيت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟

قال: سمّيت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار وفطموا أعداؤها عن حبّها وذلك قول الله في كتابه (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله((8) بنصر فاطمة (عليها السلام)»(9).

إنها (عليها السلام) هدية السماء

من الخصائص المهمة للسيدة الزهراء (عليها السلام) هو اصطفاء الباري تعالى لنطفتها واستخلاصه لها وانتخابها من صفوة ثمار الجنة.

فقد تميّزت الصدّيقة فاطمة (سلام الله عليها) عمن سواها من النساء حتى في نطفتها، حيث إنّ الله تعالى أتحف رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)بها من الجنة.

فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة(عليها السلام)، ففاطمة حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(10).

وعن ابن عباس قال: دخلت عائشة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقبّل فاطمة(عليها السلام)، فقالت له: أتحبّها يا رسول الله؟

قال: أما والله لو علمت حبي لها لأزددت لها حباً، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: أذّن يا محمد.

فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي ياجبرئيل؟

قال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلك أنت خاصة.

فدنوت فصلّيت بأهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم(عليه السلام) في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي..

فلمّا صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة، فإذا أنا بشجرة من نور أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟

فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهذان الملكان يطويان لـه الحلي والحلل إلى يوم القيامة.

ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة (عليها السلام)(11).

وعن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله إنك تلثم(12) فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟

فقال: «إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة»(13).

الذرية الطاهرة

إن الله تعالى قد منح الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)وهذا مما يدل على شرافتها.

عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين(عليهما السلام) يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها(14) إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلّها؟

فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده(15) منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحى الله عزّوجلّ إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم(16).

وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم(عليه السلام): اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار علي (عليه السلام) أولى بميراث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من العباس والعباس عم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصنو أبيه؟

فقال لـه موسى (عليه السلام) : اعفني.

قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

قال: فإن لم تعفني فآمني.

قال: آمنتك.

قال موسى (عليه السلام): إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر وإنّ علياً (عليه السلام) آمن وهاجر وقال الله: (الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا((17).

فالتمع(18) لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو جدّكم؟

فقال موسى (عليه السلام): «إنّ الله نسب المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين((19) فنسبه باُمّه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليهم السلام)بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام) (إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين((20) بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»(21).

كيفية ولادتها (عليها السلام)

بعد أن صدع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما أمره الله تعالى به أخذ مشركو قريش في أذيته وعكفوا على تفريق الناس من حوله، حتى آل الأمر بهم إلى فرض حصار شديد عليه وعلى جماعته وذلك في شعب أبي طالب.

ولم يكن الأمر مقتصراً على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)فحسب، بل شمل كل من انتمى إليه وإلى دينه وعلى رأسهم السيدة خديجة صاحبة الجاه الرفيع والمقام العالي.

فقد هجرتها نساء قريش لنصرتها لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتضحيتها الجليلة من أجل إعلاء راية الحق خفّاقة.

وتشاء إرادة السماء أن تبقى هذه السيدة الجليلة وحيدة فريدة بلا مؤنس سوى جنينها «الزهراء (عليها السلام)» التي كانت تؤنس وحشتها بحديثها إيّاها.

بل في أشدّ الأوقات حين أخذ المخاض من بنت خويلد مأخذاً عظيماً بعثت إلى بعض نساء قريش كي يلينها ما تلي النساء من النساء فأبين أن يأتين إليها..

عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام) ؟

قال: «نعم إنّ خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمّها حذراً عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة (عليها السلام) تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً فسمع خديجة (عليها السلام) تحدّث فاطمة(عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة من تحدّثين؟

قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

قال: ياخديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمّة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء، فأرسلن إليها أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقير لا مال لـه فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

فاغتمّت خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن.

فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، أرسلنا ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم اُخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء.

فجلست واحدة عن يمينها واُخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة.

فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي رسول الله سيد الأنبياء وأنّ بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها، فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة»(22).

لماذا سمّيت بفاطمة؟

لا يخفى أنّ الأسماء لها دلالاتها وآثارها الخاصة على النفوس والنفسيات، ولذا أمر الشارع المقدس بانتخاب الأسماء الحسنة، وجعله من مسؤولية الوالد بالذات(23).

وبالرغم من أنّ انتخاب أسماء الأبناء ـ للناس العاديين ـ يكون من مسؤولية الوالدين إلاّ أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام)يختلفون عن غيرهم في ذلك، إذ أنّ السماء تختار أسماءهم، وقد تم انتخاب هذه الأسماء الطاهرة قبل خلق الخليقة وهذا ما تؤكّده الروايات الشريفة.

فعن ابن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدّثة، والزهراء، ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة (عليها السلام)؟

قلت: أخبرني يا سيدي؟

قال: فطمت من الشر.

قال: ثم قال: لولا أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوّجها ما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(24).

وذكر ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبيها عن النار»(25).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا فاطمة أتدرين لِمَ سمّيت فاطمة؟

فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله لِمَ سمّيت؟

قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار»(26).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فسمّاها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق»(27).

كما روي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن أنّه قال: قال لي أبو الحسن لِمَ سمّيت فاطمة فاطمة؟

قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء.

قال: إنّ ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سمّيت به، إنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يتزوّج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا فبهذا سمّيت فاطمة لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت قطعت»(28).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «إني سمّيت فاطمة لأنها فطمت وذريتها من النار، من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به»(29).

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:{إنا أنزلناه في ليلة القدر}(30) (رحمه الله)الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها((31).

لماذا سمّيت بالزهراء؟

من سيرة العقلاء المتداولة أنهم يضعون الألفاظ بإزاء المعاني عند وجود علقة بينهما، فترى أن هناك علقة خاصة بين الألفاظ ومعانيها عادة، بحيث تصل هذه العلقة إلى مرحلة يذوب اللفظ في المعنى ويندك فيه حتّى أنّ الناس ينظرون إلى المعنى ويهملون اللفظ.

وفي أسماء الأشخاص كذلك، فلوجود مثل هذه العلقة المتينة نجد أنّ كثيراً من الأسماء توضع.

ومن هنا سميت الصديقة فاطمة، بالزهراء (عليها الصلاة والسلام).

وقد سئل الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)عن هذه العلقة فأجابوا وأشاروا به إلى عظمة السيدة فاطمة (عليها السلام).

فعن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة لِمَ سمّيت الزهراء؟

فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(32).

وعن أبان بن تغلب قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) يا بن رسول الله لِمَ سمّيت الزهراء (عليها السلام) زهراء؟

فقال: «لأنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها (عليها السلام) بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها صلوات الله عليها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة (عليها السلام) فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكر لله عزّوجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة (عليها السلام)، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام»(33).

وعن ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله خلقني وخلق علياً والحسن والحسين (عليهم السلام)من نور قدسه، فلمّا أراد أن ينشئ الصنعة فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض وأنا والله أجلّ من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي وعلي والله أجلّ من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة والحسن والله أجلّ من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم والحسين والله أجلّ من اللوح والقلم، فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب فضجّت الملائكة ونادت إلهنا: وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلاّ ما فرّجت عنّا هذه الظلمة، فعند ذلك تكلّم الله لكلمة اُخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فلأجل ذلك سمّيت الزهراء»(34).

وعن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟

فقال: لأنّ الله عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟

فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي اُفضّله على جميع الأنبياء، واُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري، يهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»(35).

وعن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر (عليه السلام) لِمَ سمّيت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟

فقال: «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدرّي»(36).

إلى غيرها من الروايات.

من فضائلها وكراماتها (عليها السلام)

مائدة من السماء

بين الفترة والاُخرى كانت تصدر من الزهراء (عليها السلام) كرامات ومعاجز تدلّ على عظمتها ومدى قداستها وعلوّ شأنها عند الله تعالى.

ومنها: ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبح علي(عليه السلام) ذات يوم فقال: «يا فاطمة عندك شيء تغذينيه؟».

قالت: «لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم عندي شيء اُغذيكاه، وما كان عندي شيء منذ يومين إلاّ شيء كنت اُوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين حسن وحسين».

فقال علي (عليه السلام): «يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟».

فقالت: «يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه».

فخرج علي(عليه السلام) من عند فاطمة (عليها السلام) واثقاً بالله، حسن الظنّ به عزّوجلّ فاستقرض ديناراً فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض لـه المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته.

فلمّا رآه علي (عليه السلام) أنكر شأنه، فقال: «يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك»؟

فقال: يا أبا الحسن (عليه السلام) خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

قال: «يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك».

فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى الله وإليك أن تخلّي سبيلي ولا تكشفني عن حالي.

فقال: «يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك».

فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم)بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد وقد تركت عيالي جياعاً، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكباً رأسي هذه حالي وقصتي.

فانهملت عينا علي(عليه السلام) بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته، فقال له: «أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك، وقد اقترضت ديناراً فهاكه، فقد آثرتك على نفسي». فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد فصلّى الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)المغرب مرّ بعلي(عليه السلام) وهو في الصف الأول فغمزه برجله، فقام علي(عليه السلام) فلحقه في باب المسجد فسلّم عليه فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «يا أبا الحسن! هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك». فمكث مطرقاً لا يحير جواباً حياءً من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد عرف(صلى الله عليه وآله وسلم)ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجّهه بوحي من الله إلى نبيه وأمره أن يتعشّى عند علي عليه السلام تلك الليلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: «يا أبا الحسن ما لك لا تقول لا فأنصرف أو تقول نعم فأمضي معك»؟

فقال حياءً وتكرّماً: «فاذهب بنا».

فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بيد علي(عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (عليها السلام) وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة(37) تفور دخاناً، فلمّا سمعت كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام ومسح بيده على رأسها وقال لها: «يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله»؟

قالت: «بخير».

قال: «عشّينا رحمك الله وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي (عليه السلام)، فلمّا نظر علي (عليه السلام) إلى الطعام وشمّ ريحه رمى فاطمة (عليها السلام) ببصره رمياً شحيحاً...

قال: فنظرت إلى السماء، فقالت: «إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلاّ حقاً».

فقال لها: «يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشم مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه»؟

قال: فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كفّه الطيبة المباركة بين كتفي علي (عليه السلام) فغمزها ثم قال: «يا علي هذا بدل عن دينارك، هذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب».

ثم استعبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً ثم قال: «الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران»(38).

إسلام اليهود

على الرغم أنّ أهل البيت (عليهم السلام)كانوا يملكون الكثير من الخيرات إلاّ أنهم كانوا لا يبقون شيئاً منها لأنفسهم وإنما ينفقونها للآخرين كما ورد في الآية الشريفة (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة((39).

بل إنهم (عليهم السلام)في بعض الأحيان كانوا يضطرون إلى الاقتراض وما أشبه ليسدّوا به حاجتهم ويحافظوا على أنفسهم من التلف والعطب. ومثل هذه الأخلاقيات الرفيعة عند أهل البيت (عليهم السلام)عادة كانت تؤثر في نفوس الآخرين وتجعلهم يسيرون على نهج الحق الذي ضحّى أهل البيت (عليهم السلام)من أجله.

فقد روي أنّ علياً (عليه السلام) استقرض شعيراً من يهودي فاسترهنه شيئاً فدفع إليه ملاءة فاطمة (عليها السلام) رهناً وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في بيت. فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت، فانصرفت إلى زوجها وأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءً عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي أنّ في بيتهم ملاءة فاطمة(عليها السلام)، فنهض مسرعاً ودخل البيت، فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب، فتعجب من ذلك فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة (عليها السلام) فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه وزوجته تعدو إلى أقربائها واستحضرهم دارهما، فاستجمع نيف وثمانون نفراً من اليهود، فرأوا ذلك وأسلموا كلّهم(40).

فضائل تجلّت لإبراهيم الخليل (عليه السلام)

إنّ الله تعالى كان يعرض على أنبيائه وخاصته من رسله أنوار أهل البيت(عليهم السلام)ويبيّن لهم مدى عظمتهم وارتفاع منزلتهم لديه، ومن ذلك هو ما حصل لنبي الله إبراهيم(عليه السلام) عند خلقته، ففي الحديث:

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «لمّا خلق الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) كشف الله عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأى نوراً، فقال: إلهي وسيدي ما هذا النور؟

قال: يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

فقال: إلهي وسيدي أرى إلى جانبه نوراً آخر؟.

فقال: يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

فقال: إلهي وسيدي أرى إلى جانبهما نوراً ثالثاً؟

قال: يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت محبيها من النار.

قال: إلهي وسيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار؟

قال: يا إبراهيم هذان الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما واُمّهما.

فقال: إلهي وسيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار؟

قال: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

فقال: إلهي وسيدي فبمن يعرفون؟

قال: يا إبراهيم أولهم: علي بن الحسين، ومحمد ولد علي، وجعفر ولد محمد، وموسى ولد جعفر، وعلي ولد موسى، ومحمد ولد علي، وعلي ولد محمد، والحسن ولد علي، ومحمد ولد الحسن القائم المهدي (عليهم السلام).

قال: إلهي وسيدي أرى عدة أنوار حولهم لا يحصي عدتهم إلاّ أنت؟

قال: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم ومحبوهم.

قال: إلهي وبما يعرفون شيعتهم ومحبيهم؟

قال: بصلاة الإحدى والخمسين، والجهر ب‍ «بسم الله الرحمن الرحيم»، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختم باليمين.

قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعتهم ومحبيهم.

قال: قد جعلتك، فأنزل الله فيه: (وإنّ من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم((41)،(42).

التوسّل بالزهراء (عليها السلام)

بلغ قداسة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وارتفاع مقامها عند الله تعالى بحيث إنّ كل من يتوسل بها إلى الله تعالى بنية صافية، ويقدّمها بين يدي حوائجه، فإنه لايرد خائباً خالي اليدين، والشواهد الدالة على ذلك كثيرة، ولو أردنا استقصاءها لاحتاج إلى مصنّف ضخم.

ونقرأ في دعاء التوسل: «يا فاطمة الزهراء، يا بنت محمد، يا قرة عين الرسول، يا سيدتنا ومولاتنا، إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهة عند الله اشفعي لنا عند الله»(43).

وصلاة الاستغاثة بالصديقة الطاهرة (عليها السلام) معروفة.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا كانت لك حاجة إلى الله وضقت بها ذرعاً فصل ركعتين، فإذا سلمت كبّر الله ثلاثاً، وسبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) ، ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل مثل ذلك، ثم عد إلى السجود وقل ذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك فإن الله يقضيها»(44).

ونذكر هنا قصة أم أيمن كشاهد على ذلك:

أنا خادمة فاطمة (عليها السلام)

روي أنّ اُمّ أيمن لمّا توفّيت فاطمة (عليها السلام) حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لاتطيق النظر إلى مواضع كانت (عليها السلام) فيها، فخرجت إلى مكة، فلمّا كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً، فرفعت يديها وقالت: يا رب أنا خادمة فاطمة تقتلني عطشاً؟!

فأنزل الله عليها دلواً من السماء فشربت، فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنين وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحرّ فما يصيبها عطش(45).

إنه من عند الله

على الرغم من إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلاّ القليل من مناقب وفضائل أهل البيت (عليهم السلام)إلاّ أنّ الذي وصلنا منها كافٍ وواف لمعرفة أفضليتهم وشرافتهم على غيرهم من الناس، فإنهم أفضل الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلا القليل من فضائل الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) إلاّ أنّ فضائلها التي وصلتنا كافية في معرفة قداستها.

يقول أبو سعيد الخدري: أهديت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قطيفة(46) منسوجة بالذهب أهداها لـه ملك الحبشة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لأعطيها رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله».

فمدّ أصحاب محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أعناقهم إليها.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أين علي»؟

قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت علياً (عليه السلام) فأخبرته، فجاء، فدفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)القطيفة إليه فقال: أنت لها.

فخرج بها إلى سوق المدينة فنقضها سلكاً سلكاً، فقسّمها في المهاجرين والأنصار، ثم رجع (عليه السلام) إلى منزله وما معه منها دينار.

فلما كان من غد استقبله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدى غداً عندك.

فقال علي (عليه السلام): نعم يا رسول الله.

فلمّا كان الغد أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب، فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا، ودخل علي وفاطمة (عليهما السلام) فإذا هم بجفنة مملوءة ثريداً عليها عراق(47)، يفور منها ريح المسك الأذفر، فضرب علي (عليه السلام) بيده عليها فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة(عليها السلام) على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فدخل(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فقال: أي بنية أنّى لك هذا؟

قالت: يا أبت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران(48).

من آذاها فقد آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

الروايات الشريفة تؤكد على أنّ من آذى الصديقة فاطمة (عليها السلام) فقد آذى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنها (عليها الصلاة والسلام) بضعته وروحه التي بين جنبيه.

وفي الروايات أيضاً أنّ سخط الله تبارك وتعالى ورضاه منوط بسخط ورضا الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأمر الذي يدلّ على جلالة قدرها (سلام الله عليها) عند الباري سبحانه ومدى علو شأنها.

فعن مجاهد قال: خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(49).

وعليه فإنّ مثل هذه الروايات تدلّ بوضوح على سخط الله ورسوله على الذين آذوا الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، وغصبوا نحلتها وحرموها إرثها، ومنعوها حتى من البكاء على أبيها(50).

ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إلى الرضا (عليه السلام) أنّ رجلاً من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال لـه ما تقول في أبي بكر؟ قال له: (رحمه الله)سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر(، فألحّ السائل عليه في كشف الجواب، فقال (عليه السلام): (رحمه الله)كانت لنا اُم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما((51).

يؤذيني من آذاها

ومن المسلّمات عند كافة المسلمين أنّ أذية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)محرّمة وأنّ فيها أذية لله عزّوجلّ، ومن تلك الموارد التي صرّح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه أنها تؤذيه هي أذية ابنته الصديقة الزهراء (عليها السلام) ففي الحديث أنّ سهل بن عبد الله جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: إنّ قومك يقولون إنك تؤثر عليهم ولد فاطمة؟

فقال عمر: سمعت الثقة من الصحابة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: فاطمة بضعة منّي، يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها، فوالله إني لحقيق أن أطلب رضى رسول الله ورضاه ورضاها في رضى ولدها.

مسرّتها جدّاً ويشني اغتمامها

وقد علموا أنّ النبي يسرّه وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم)هذا يدلّ على عصمتها (عليها السلام)، لأنها لو كانت ممّن تقارف الذنوب ـ والعياذ بالله من هذا القول ـ لم يكن مؤذيها مؤذياً لـه(صلى الله عليه وآله وسلم)على كل حال.

عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ياعلي إنّ فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرّني ما سرّها»(52).

وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ فاطمة (عليها السلام) شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملأ السماوات والأرض»(53).

إن الله يرضى لرضاها ويسخط لسخطها

لقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)شديد المحبة لفاطمة (عليها السلام) وكان(صلى الله عليه وآله وسلم)بين الحين والآخر يشيد بفضائلها أمام الآخرين، ويؤكّد على أنّ رضاها (سلام الله عليها) من رضا الله وسخطها من سخطه.

عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «يا فاطمة إنّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

قال: فجاء صندل فقال لجعفر بن محمد (عليه السلام): إنّ هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكرة.

فقال لـه جعفر (عليه السلام): وما ذاك يا صندل؟

قال: جاءنا عنك أنك حدّثتهم أنّ الله يغضب لغضب فاطمة (عليها السلام) ويرضى لرضاها.

قال: فقال جعفر (عليه السلام): يا صندل ألستم رويتم فيما تروون إنّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه.

قال بلى.

قال: فما تنكرون أن تكون فاطمة (عليها السلام) مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها.

قال: فقال (الله أعلم حيث يجعل رسالته((54).

النبي يقبل فاطمة (عليهما السلام)

عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت عائشة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقبّل فاطمة (صلوات الله عليها) وقالت: يا رسول الله أتقبلها وهي ذات بعل؟

فقال لها: «أما والله لو عرفت ودّي لها لأزددت لها ودّاً، إنه لمّا عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل (عليه السلام) وأقام ميكائيل ثم قال لي: أذّن قلت أؤذّن، وأنت حاضر؟

فقال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلت أنت خاصة يا محمّد، فدنوت، فصلّيت بأهل السماء الرابعة، فلمّا صرت إلى السماء السادسة إذا أنا بملك من نور على سرير من نور وحوله صف من الملائكة فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وهو متكئ، فأوحى الله تعالى إليه أيّها الملك سلّم عليك حبيبي وخيرتي من خلقي، فرددت عليه السلام وأنت متكئ؟ فوعزّتي وجلالي لتقومنّ ولتسلّمن عليه ولا تقعد إلى يوم القيامة، فقام الملك وعانقني ثمّ قال: ما أكرمك على ربّ العالمين.

فلمّا صرت إلى الحجب نوديت (آمن الرسول بما اُنزل إليه مِن ربّه( فألهمت وقلت (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله((55) ثم أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور، فإذا أنا بشجرة من نور مكلّلة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحاً أعظم منه، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كان أجناحها مقاديم أجنحة النسور، فقلت لمن أنت؟ فبكت وقالت: لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي بن أبي طالب.

ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها، فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديحة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة صلوات الله عليها(56).

سيّدة نساء العالمين

تظافرت الأخبار عن الخاصة والعامة بأنّ الصديقة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ولم يشكك في مثل هذه المنقبة أحد حتى المخالفين، فعن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله تبارك وتعالى اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(57).

وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في الجنة، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في الدنيا والآخرة، وفاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)»(58).

وعن ابن عباس قال: خطّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في الأرض أربعة خطوط ثم قال: «أتدرون ما هذا»؟

قالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(59).

وعن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «مرحباً يا بنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت، ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت.

فقلت لها: حدّثك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بحديث فبكيت، ثمّ حدّثك بحديث فضحكت، فما رأيت كاليوم أقرب فرحاً من حزن من فرحك؟

فقالت: «ما كنت لأفشي سرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».

حتى انّه إذا قُبض سألتها فقالت: «أسرّ إليّ فقال: إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثمّ قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الاُمة أو سيّدة نساء المؤمنين، فضحكت لذلك»(60).

فاطمة (عليها السلام) في القرآن

مما يدل على عظم شأن الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وارتفاع مكانتها عند الله جل جلاله، هو نزول الكثير من آيات القرآن الكريم في شأنها، وأشادت العديد منها إلى فضائلها وخصالها الحميدة.

ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)صلّى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه، فقلنا: يا رسول الله إن رأيت أن تفسّر لنا هذه الآية، قوله تعالى: (فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين((61).

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمّا النبيون فأنا، وأمّا الصدّيقون فعلي بن أبي طالب، وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين (عليهم السلام)». فنهض ال
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 3:57 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

الآن مع الجزء الثاني

عالمة آل محمد (عليهم السلام)

إنّ الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) كانت عالمة بالعلم اللدني من الله فقد اُوتيت من العلم والمعرفة قدراً لا يضاهيها فيه أحد سوى والدها الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام).

كانت (سلام الله عليها) على قدر من المعرفة بحيث إنها تخبر عمّا هو كائن وما كان وما سيكون في المستقبل، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على سعة علمها(عليها السلام) وارتفاع مقامها.

فعن سلمان قال: حدّثني عمّار وقال: اُخبرك عجباً.

قلت: حدّثني يا عمّار.

قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد ولج على فاطمة(عليها السلام) فلمّا أبصرت به نادت: ادن لاُحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة.

قال عمّار: فرأيت أمير المؤمنين(عليه السلام) يرجع القهقرى(63)، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال له: ادن يا أبا الحسن.

فدنا، فلمّا اطمأن به المجلس قال له: تحدّثني أم اُحدّثك؟

قال: الحديث منك أحسن يا رسول الله.

فقال: كأنّي بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت.

فقال علي (عليه السلام): نور فاطمة من نورنا.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أو لا تعلم.

فسجد علي (عليه السلام) شكراً لله تعالى.

قال عمّار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه، فولج على فاطمة(عليها السلام) وولجت معه، فقالت: كأنّك رجعت إلى أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فأخبرته بما قلته لك؟

قال: كان كذلك يا فاطمة.

فقالت: اعلم يا أبا الحسن أنّ الله تعالى خلق نوري وكان يسبّح الله جلّ جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلمّا دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أودعني خديجة بنت خويلد (عليها السلام) فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى(64).

ومما يدل على عظيم علم الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) خطبتها الغرّاء التي ضمّت بين طيّاتها العديد من الأحكام الشرعية وفلسفتها والكثير من المفاهيم الغزيرة التي لا يدرك غورها إلاّ من أجهد نفسه من أجل فهمها.

كما كانت (عليها السلام) تعلم النساء المسائل الشرعية والمعارف الإسلامية، ففي الحديث المعروف الوارد عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قال:

حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لُبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك.

فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك.

فثنّت، فأجابت.

ثم ثلّثت إلى أن عشّرت، فأجابت.

ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله؟

قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟

فقالت: لا.

فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليّ، سمعت أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد (عليهم السلام)الناعشون(65) لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون على كل واحد من اُولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم إلى آخره»(66).

مصحف فاطمة (عليها السلام)

وقد بقى منها (عليها السلام) كتاب فيه علوم آل محمد (عليهم السلام)اسمه (مصحف فاطمة (عليها السلام)) وهو الآن عند الإمام الحجّة (عليه السلام) وفيه تفسير القرآن وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة(67).

أما ما يتهم به بعض المخالفين من أنه قرآن غير هذا القرآن فهو باطل، فإن القرآن عند الشيعة الإمامية هو هذا القرآن الموجود اليوم في أيدي جميع المسلمين لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه شيء، وقد أمر الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)بجمعه وترتيب سوره وآياته على هذا النحو الموجود، فجمع القرآن بهذه الكيفية الموجودة اليوم في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(68).

وقد كان هناك أيضاً مصحف لأم سلمة وعائشة وحفصة وغيرهن(69).

الأمير يخطب الصدّيقة (عليهما السلام)

عندما عرض بعض الأنصار على أمير المؤمنين (عليه السلام) الزواج من الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) جاء (سلام الله عليه) إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعرض عليه حاجته، فرحّب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كثيراً وأبدى استيناسه بطلب أمير المؤمنين (عليه السلام).

فعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب(عليه السلام): اخطب فاطمة (عليها السلام).

فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فسلّم عليه.

فقال له: ما حاجة علي بن أبي طالب؟

قال: يا رسول الله، ذكرت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليها.

فخرج علي على اُولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟

قال: ما أدري غير أنه قال: مرحباً وأهلاً.

قالوا: يكفيك من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أحدهما، أعطاك الأهل والرحب.

فلمّا كان بعد ذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إنه لابدّ للعرس من وليمة.

فقال سعد: عندي كبش وجمع لـه رهط من الأنصار آصعا من ذرة، فلمّا كان ليلة البناء قال لعلي: لا تحدثنّ شيئاً حتى تلقاني.

فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي (عليه السلام) وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما.

وقال ابن ناصر: في نسليهما(70).

السماء تزوّج فاطمة (عليها السلام)

على خلاف كل نساء العالم اللواتي يكون أمر زواجهنّ بيد آبائهن أو بيدهنّ خاصّة كان أمر الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بيد الله تعالى فهو الذي اختار الكفؤ لها.

فقد ورد في الكثير من الأخبار أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد أن ردّ الكثير ممّن خطبوا الزهراء (عليها السلام) جاءه الأمر الإلهي بأن: زوّج فاطمة من علي (عليهما السلام).

عن أنس قال: كنت عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: يا أنس أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟

قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي (عليهما السلام).

فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار.

قال: فانطلقت فدعوتهم له.

فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشبح بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه وتعالى جدّه: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً((71) فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ((72) ثم إنّي اُشهدكم أني قد زوّجت فاطمة من علي (عليهما السلام) على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك، وكان غائباً قد بعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة.

ثم أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بطبق فيه بسر(73) فوضع بين أيديها ثم قال: انتهبوا، فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي (عليه السلام) فتبسّم إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: يا علي إنّ الله أمرني أن اُزوّجك فاطمة وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أرضيت؟

قال: رضيت يا رسول الله.

ثم قام علي (عليه السلام) فخرّ لله ساجداً.

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): جعل الله فيكما الكثير الطيّب وبارك فيكما.

قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيّب(74).

وعن الضحّاك بن مزاحم، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فذكرت لـه فاطمة.

قال: فأتيته، فلمّا رآني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟

قال: فذكرت لـه قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي لـه وجهادي.

فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل ممّا تذكر.

فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوّجنيها؟

فقال: يا علي، إنه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

فدخل(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها فقامت إليه، فأخذت رداءه ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء، فوضّأته بيدها وغسلت رجليه، ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة.

فقالت: لبّيك، حاجتك يا رسول الله؟

قال: إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

فسكتت ولم تولّ وجهاً ولم ير فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها لـه ورضيه لها.

قال علي(عليه السلام): فزوّجني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: «قم بسم الله، وقل على بركة الله، وما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله، توكّلت على الله».

ثم جاءني حين أقعدني عندها (عليها السلام) ، ثم قال: «اللهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما، وبارك في ذريّتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي اُعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم»(75).

والمستفاد من بعض الأخبار أنه لولا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) كفؤ أبداً(76).

الله زوّجها (عليها السلام) من علي (عليه السلام)

عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس إذ جاء علي، فقال: يا علي ما جاء بك؟

قال: جئت اُسلّم عليك.

قال: هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله زوّجك فاطمة وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك،وأوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت، فنثرت عليهم الدرّ والياقوت فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت وهنّ يتهادينّه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون: هذه تحفة خير النساء(77).

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني ملك، فقال: يا محمد، إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوّجها منه في الأرض»(78).

وعن أنس قال: كنت عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: «يا أنس أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش»؟

قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: «أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي»(79).

راحيل يخطب في أهل السماوات

وقد خطب الملك «راحيل» يوم تزويج الصديقة الزهراء (عليها السلام) خطبة بليغة أشار فيها إلى اختيار الباري تعالى أمير المؤمنين (عليه السلام) للسيدة الزهراء (عليها السلام) فقال:

«الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء الباقين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب وسترنا من العيوب، وأسكننا في السماوات، وقرّبنا إلى السرادقات، وحجب عنّا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تهليله وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين، أنذرنا بأسه وعرّفنا سلطانه، توحّد فعلاً في الملكوت الأعلى، واحتجب عن الأبصار، وأظلم نور عزّته الأنوار، وكان من إسباغ نعمته وإتمام قضيته أن ركّب الشهوات في بني آدم وخصّهم بالأمر اللازم، ينشر لهم الأولاد وينشئ لهم البلاد، فجعل الحياة سبيل اُلفتهم والموت غاية فرقتهم، وإلى الله المصير، اختار الملك الجبّار صفوة كرمه وعظمته لأمته سيدة النساء، بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، صاحب المقام المحمود واليوم المشهود والحوض المورود، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، صاحبه المصدّق دعوته، المبادر إلى كلمته، علي الوصول بفاطمة البتول بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الله عزّوجلّ: زوّجت عبدي من أمتي فاشهدوا ملائكتي»(80).

خطبة الإمام علي (عليه السلام)

وفي نفس مجلس العقد خطب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بخطبة شريفة، ثمّ قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): تكلّم خطيباً لنفسك.

فقال(عليه السلام): «الحمد لله الذي قرّب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك لـه شهاده تبلغه وترضيه، وأنّ محمداً عبده ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه، والنكاح ما أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه، وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا»(81).

مهر فاطمة (عليها السلام)

في الروايات الكثيرة أن قلة المهر دليل على خير المرأة وبركتها، وكان مهر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كذلك، فالمشهور على أن مهرها خمسمائة درهم فقط، كما سبق.

وفي بعض الروايات أنه ثلاثون درهماً، ولا يستبعد ذلك.

عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «زوّج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)علياً فاطمة(عليهما السلام) على درع حطمية يساوي ثلاثين درهماً»(82)

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كان صداق فاطمة (عليها السلام) جرد برد حبرة ودرع حطمية وكان فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(83).

وأما المهر المعنوي فقد جعله الله الشفاعة للمذنبين من اُمّة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)من شيعة علي وأولاده الطاهرين (عليهم السلام).

فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار تدخل أعداءها النار وتدخل أولياءها الجنة، وهي الصدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى»(84).

الإمام يتباهى بالزهراء (عليهما السلام)

لقد فضّل الله أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) على من سواه بكل شيء، وفاق الناس فضلاً وعلماً ومرتبة إلاّ ابن عمّه النبي الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

بل إنه (عليه السلام) في بعض الاُمور اختص بخصائص لم تكن للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه، وهذا لا يدلّ على شرافته عليه كما هو واضح، وإنما هي خصائص انفرد بها الإمام (عليه السلام).

وقد أشار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه إلى بعض هذه الخصائص، فقال:

«يا علي اُعطيت ثلاثاً لم اُعطها: اُعطيت صهراً مثلي، واُعطيت مثل زوجتك فاطمة(عليها السلام)، واُعطيت مثل ولديك الحسن والحسين (عليهما السلام)»(85).

وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «يا علي لك أشياء ليست لي منها: إنّ لك زوجة مثل فاطمة (عليها السلام) وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة اُمّ أهلك وليس لي مثلها حماة، ولك صهر مثلي وليس لي صهر مثلي، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية المهاجرة وليس لي مثلها»(86).

نعم، فقد اُختصّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بتزويجه من الزهراء (عليها السلام) وبقي (عليه السلام) يتباهى بمثّل هذه الخصلة، فمن كتاب لـه (عليه السلام) إلى معاوية قال فيه:

(رحمه الله)ومنّا النبي ومنكم المكذّب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنّا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب(. قال (عليه السلام):

وحمزة سيد الشهداء عمّي

محمد النبي أخي وصنوي يطير مع الملائكة ابن اُمّي

وجعفر الذي يمسي ويضحي منوط لحمها بدمي ولحمي(87)

وبنت محمد سكني وعرسي

تربية الحسنين (عليهما السلام)

من الواضح أنّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)أدّبهم الله تعالى وأحسن تربيتهم، ففي الحديث أنه قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن أدّبك؟ قال: «أدّبني ربّي».

وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي»(88).

بالإضافة إلى ذلك فإنّ المعصومين (عليهم السلام)كانوا يؤدبون أولادهم وذويهم، فكل إمام يأخذ العلم ممن كان قبله أيضاً، فأمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) تأدّبا بآداب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنّ الحسنين (عليهما السلام) تأدّبا بآداب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وفاطمة وأمير المؤمنين (عليهما السلام).

وكانت الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) تبذل جهدها في تربية وتعليم الحسنين وسائر أولادها (عليهم السلام)بالتربية الإيمانية والإسلامية التي تليق بالمعصومين وذويهم منذ الصغر.

ففي التاريخ: أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي اُمّه فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟

فقالت: من ولدك الحسن.

فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه، فعجبت اُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا اُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني.

فخرج علي (عليه السلام) فقبّله.

وفي رواية قال: (رحمه الله)يا اُمّاه قلّ بياني وكَلّ لساني لعلّ سيّداً يرعاني((89).

الذرية الطاهرة

إن الله تعالى قد وهب الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)وهذا خير دليل على شرافتها.

عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها(90) إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلّها؟

فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده(91) منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحى الله عزّوجلّ إليّ أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم(92).

وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم(عليه السلام): اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار علي أولى بميراث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من العباس والعباس عم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصنو أبيه؟

فقال لـه موسى (عليه السلام) : اعفني.

قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

قال: فإن لم تعفني فآمني.

قال: آمنتك.

قال موسى (عليه السلام): إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإنّ علياً (عليه السلام) آمن وهاجر وقال الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا((93).

فالتمع(94) لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي (عليه السلام) هو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو جدّكم؟

فقال موسى (عليه السلام): «إنّ الله نسب المسيح عيسى ابن مريم (عليها السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ((95) فنسبه باُمّه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليهم السلام)بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام): (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ((96) بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»(97).

يتبع .............................
ـــــــــــــــــ
(63) القهقرى: يتراجع على قفاه، كتاب (العين) مادّة قهقر.

(64) بحار الأنوار: ج43 ص8 ب1 ح11.

(65) تنعش الضعيف: أي تقوّيه وتقيمه، (مجمع البحرين) مادّة نعش.

(66) مستدرك الوسائل: ج17 ص318 ب11 ح21460.

(67) انظر الكافي: ج1 ص238 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ح1.

(68) للتفصيل انظر كتاب (متى جمع القرآن) للإمام المؤلف ( .

(69) انظر فلاح السائل: ص94.

(70) كشف الغمّة: ج1 ص365.

(71) سورة الفرقان: 54.

(72) سورة الرعد: 39.

(73) البُسْر: ثمر النخل قبل أن يرطب، (مجمع البحرين) مادّة بسر.

(74) كشف الغمّة: ج1 ص348.

(75) الأمالي للطوسي: ص39 المجلس2 ح43.

(76) راجع تهذيب الأحكام: ج7 ص470 ب41 ح90.

(77) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص346.

(78) صحيفة الرضا (عليه السلام): ص94 ح32.

(79) كشف الغمّة: ج1 ص348.

(80) مستدرك الوسائل: ج14 ص209 ب33 ح16517.

(81) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص350.

(82) الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح2و4.

(83) الكافي: ج5 ص378 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح5.

(84) الأمالي للطوسي: ص686 المجلس 36 ح1399.

(85) بحار الأنوار: ج39 ص76.

(86) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص170.

(87) بحار الأنوار: ج38 ص238 ح11.

(88) راجع مستدرك الوسائل: ج8 ص397 ح9785، وبحار الأنوار: ج68 ص382.

(89) بحار الأنوار: ج43 ص338 ح11.

(90) مقاصير: نواحي، (لسان العرب) مادّة قصر.

(91) اليد: القدرة، (لسان العرب) مادّة يدي.

(92) تأويل الآيات الظاهرة: ص240.

(93) سورة الأنفال: 72.

(94) التمع لونه: ذهب وتغيّر، (لسان العرب) مادّة لمع.

(95) سورة الأنعام: 84 ـ 85.

(96) سورة آل عمران: 42.

(97) تحف العقول: ص404
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 3:59 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الآن نتابع الجزء الثالث

تسبيح فاطمة (عليها السلام)

ومن الخصائص المهمّة التي اختصّت بها الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) هو تسبيحها المعروف الذي أتحفها به رسول الله(صلى الله

عليه وآله وسلم)بعد أن أشار عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تذهب إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وتستخدمه إحدى الجواري، فعلّمها إيّاه.

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «أهدى بعض ملوك الأعاجم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) رقيقاً، فقلت لفاطمة (عليها السلام): اذهبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاستخدميه خادماً، فأتته فسألته ذلك... فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة اُعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها، تكبّرين الله بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله، فذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا بما فيها، فلزمت (عليها السلام) هذا التسبيح بعد كل صلاة ونسب إليها»(1).

وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاطمة(عليها السلام)»(2).

وروي عن محمد بن مسلم أنّه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التسبيح، فقال: «ما علمت شيئاً موظفاً غير تسبيح فاطمة (عليها السلام)، وعشر مرّات بعد الفجر تقول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، لـه الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، ويسبّح ما شاء تطوّعاً»(3).

وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من سبّح تسبيح الزهراء(عليها السلام) ثم استغفر، غفر لـه، وهي مائة باللسان وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن»(4).

وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لرجل من بني سعد: «ألا اُحدثّك عنّي وعن فاطمة الزهراء؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(5) يدها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت(6) ثيابها، فأصابها من ذلك ضُرّ شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرماً أنت فيه من هذا العمل؟

فأتت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فوجدت عنه حداثاً فاستحيت فانصرفت.

فعلم(صلى الله عليه وآله وسلم)أنها قد جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا.

ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا.

ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً فإن اُذن لـه وإلاّ انصرف.

فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله اُدخل.

فجلس عند رؤوسنا، ثمّ قال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فأخرجت رأسي، فقلت: أنا والله اُخبرك يا رسول الله، أنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

قال: أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين.

قال: فأخرجت فاطمة (عليها السلام) رأسها، فقالت: رضيت عن الله ورسوله ورضيت عن الله ورسوله»(7).

وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (رحمه الله)ياأبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي((8).

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (رحمه الله)من سبّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب الله لـه الجنّة((9).

إنفاق الزهراء (عليها السلام)

لقد كان بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) والصدّيقة الزهراء (عليها السلام) ملجأ وملاذاً للفقراء والمحتاجين الذين لا معين لهم ولا عائل يقضي حوائجهم ويسدّ احتياجاتهم المختلفة.

فبين الحين والآخر كان الفقراء يلوذون برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ويلتمسون منه يد العون، وكثيراً ما كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحوّلهم على دار أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلمه الراسخ بأنّ كل من يطرق هذه الدار لا يعود خائباً خالي اليدين، وإنما يعود بحوائج مقضية، والقصص الدالةّ على ذلك كثيرة منها:

ما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلّى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة العصر فلمّا انفتل(10) جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب، سمل(11) قد تهلّل واختلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وكبراً.

فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يستجليه الخبر.

فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فأكسني، وفقير فارشيني.

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ما أجد لك شيئاً ولكن الدالّ على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة(عليها السلام) ـ وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه ـ يا بلال! قم فقف به على منزل فاطمة (عليها السلام).

فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.

فقالت فاطمة (عليها السلام): من أنت يا هذا؟

قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر، مهاجراً من شقّة وأنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد، فواسيني رحمك الله.

وكان لفاطمة وعلي (عليهما السلام) في تلك الحال ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ذلك من شأنهما.

فعمدت فاطمة (عليها السلام) إلى جلد الكبش مدبوغ بالقرض كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقالت: خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.

فقال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟

قال: فعمدت (عليها السلام) لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي، فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه.

فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت: بعه فعسى أن يصنع لك.

قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: لا كيف يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.

فقام عمار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟

قال(صلى الله عليه وآله وسلم): اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار.

فقال عمّار: بكم هذا العقد يا أعرابي؟

قال: بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي واُصلّي فيها لربي ودينار يبلغني إلى أهلي.

وكان عمار قد باع سهمه الذي نقله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من خيبر ولم يبق منه شيئاً، فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك إلى أهلك وشبعة من خبز البر واللحم.

فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال.

وانطلق به عمار فوفّاه ما ضمن له.

وعاد الأعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشبعت واكتسيت؟

قال الأعرابي: نعم يا رسول الله واستغنيت بأبي أنت واُمّي.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فاجز فاطمة (عليها السلام) بصنيعها.

فقال الأعرابي: اللهم إنك إله ما استحدثناك ولا إله لنا نعبده سواك وأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم أعط فاطمة (عليها السلام) ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت.

فأمّن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على دعائه وأقبل على أصحابه، فقال: إنّ الله قد أعطى فاطمة (عليها السلام) في الدنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي (عليه السلام) بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا أهل الجنة.

وكان بإزائه(صلى الله عليه وآله وسلم)المقداد وابن عمر وعمار وسلمان، فقال: وأزيدكم؟

فقالوا: نعم يا رسول الله.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني الروح الأمين يعني جبرئيل (عليه السلام) وقال: إنها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربك؟

فتقول: الله ربي.

فيقولان: من نبيك؟

فتقول: أبي.

فيقولان: فمن وليك؟

فتقول: هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب.

ألا واُزيدكم من فضلها، إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً(12) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياً، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما.

فعمد عمار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانية، وكان لـه عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنت له.

فأخذ العقد فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأخبره بقول عمار (رحمه الله).

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انطلق إلى فاطمة (عليها السلام) فادفع إليها العقد وأنت لها.

فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذت فاطمة (عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك.

فضحك الغلام.

فقالت فاطمة (عليها السلام): ما يضحكك يا غلام؟

فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسا عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه(13).

من أدعية الصدّيقة فاطمة (عليها السلام)

هجر الكثير من المسلمين أو منعوا ـ ولأسباب غير خفية ـ من بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد بقي سلمان المحمدي بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)معتزلاً عن الخلق حتى أرسلت خلفه الزهراء (عليها السلام) فزارها، وشاهد من كراماتها العجيبة ما جعله يتيقّن أكثر بعلو منزلتها وارتفاع شأنها (عليها السلام).

فعن عبد الله بن سلمان الفارسي عن أبيه قال: خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعشرة أيام، فلقيني علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفى، غير أنّ حزني على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) طال، فهو الذي منعني من زيارتكم.

فقال (عليه السلام) لي: يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد اُتحفت بها من الجنة.

قلت لعلي (عليه السلام): قد أتحفت فاطمة (عليها السلام) بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: نعم بالأمس.

قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)..

ثم قالت: يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

قلت: حبيبتي لم أجفكم.

قالت: فمه اُجلس واعقل ما أقول لك، إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد فدخل عليّ ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهنّ ولا كهيئتهنّ ولا نضارة وجوههنّ ولا أزكى من ريحهنّ، فلمّا رأيتهنّ قمت إليهنّ مستنكرة لهنّ، فقلت: بأبي أنتنّ من أهل مكة أم من أهل المدينة؟

فقلن: يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة، ولا من أهل الأرض جميعاً، غير أننا جوار من الحور العين من دار السلام، أرسلنا ربّ العزة إليك يا بنت محمد أنّا إليك مشتاقات.

فقلت للتي أظن أنها أكبر سنّاً: ما اسمك؟

قالت: اسمي مقدودة.

قلت: ولِمَ سمّيت مقدودة؟

قالت: خلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قلت للثانية: ما اسمك؟

قالت: ذرّة.

قلت: ولِمَ سمّيت ذرّة وأنت في عيني نبيلة؟

قالت: خلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقلت للثالثة: ما اسمك؟

قالت: سلمى.

قلت: ولِمَ سمّيت سلمى؟

قالت: أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قالت فاطمة: ثم أخرجن لي رطباً أزرق كأمثال الخشكنانج(14) الكبار، أبيض من الثلج وأزكى ريحاً من المسك الأذفر، فقالت لي: يا سلمان أفطر عليه عشيتك فإذا كان غداً فجئني بنواة أو قالت: عجمه.

قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ قالوا: يا سلمان أمعك مسك؟

قلت: نعم.

فلمّا كان وقت الإفطار أفطرت عليه فلم أجد له، فمضيت إلى بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في اليوم الثاني، فقلت لها (عليها السلام): إنّي أفطرت على ما أتحفتني به، فما وجدت لـه عجماً ولا نوى.

قالت: يا سلمان ولن يكن لـه عجم ولا نوى، وإنما هو من نخل غرسه الله في دار السلام، ألا اُعلمك بكلام علّمنيه أبي، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كنت أقوله غدوة وعشية؟

قال سلمان: قلت علّميني الكلام يا سيدتي.

فقالت: إن سرّك أن لا يمسّك أذى الحمّى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه.

ثم قال سلمان: علّميني هذا الحرز.

قالت: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبّر الاُمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين».

قال سلمان: فتعلّمتهنّ فوالله ولقد علّمتهنّ أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّة ممّن بهم علل الحمّى فكل بريء من مرضه بإذن الله تعالى(15).

إيثار الصديقة الطاهرة (عليها السلام)

كانت الصدّيقة الزهراء (سلام الله عليها) مضرباً للمثل في التفاني في ذات الله تعالى حتى أنها (عليها السلام) أرخصت كل ما تملك من أجل إقامة كلمة الإسلام وترسيخ دعائم الدين القويمة.

ولذا فإنها (عليها السلام) كانت تؤثر بكل شيء من أجل إعلاء راية الدين خفّاقة وليبقى ذكر الله تعالى عالياً في كل مكان وعلى مرّ العصور.

ففي التاريخ أنه جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من لهذا الرجل الليلة؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا يا رسول الله، فأتى فاطمة (عليها السلام) وسألها ما عندك يا بنت رسول الله؟

فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية لكنّا نؤثر ضيفنا به.

فقال (عليه السلام): يا بنت محمد نوّمي الصبية وأطفئي المصباح وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل، أتت فاطمة (عليها السلام) بسراج فوجدت الجفنة(16) مملوّة من فضل الله.

فلمّا أصبح صلّى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا سلّم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وبكى بكاءً شديداً وقال: يا أمير المؤمنين لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة أقرأ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ((17) أي مجاعة(18).

نزول سورة الإنسان

عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)قال: مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما سيد ولد آدم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)...

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن عافى الله ولدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام متواليات.

وقالت فاطمة (عليها السلام) مثل مقالة علي (عليه السلام).

وكانت لهم جارية نوبية تدعى (فضة) قالت: إن عافى الله سيدَي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام.

فلمّا عافى الله الغلامين مما بهما انطلق علي (عليه السلام) إلى جار يهودي يقال له: شمعون بن حارا، فقال له: يا شمعون أعطني ثلاثة أصيع من شعير وجزة(19) من صوف تغزله لك ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فأعطاه اليهودي الشعير والصوف، فانطلق إلى منزل فاطمة (عليها السلام).

فقال لها: يا بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كلي هذا واغزلي هذا، فباتوا وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى صاع من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص قرص لعلي وقرص لفاطمة وقرص للحسن وقرص للحسين(عليهم السلام)وقرص للجارية.

وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله ليفطر، فلمّا أن وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله، فإذا سائل قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب(عليه السلام) هذه الأبيات:

يا بنت خير الناس أجمعين

فاطم ذات الودّ واليقين

قد جاء بالباب لـه حنين

أما ترين البائس المسكين

يشكو إلينا جائع حزين

يشكو إلى الله ويستكين

من يفعل الخير يقف سمين

كل امرئ بكسبه رهين

حرمت الجنة على الضنين

ويدخل الجنة آمنين

ويخرج منها إن خرج بعد حين

يهوي من النار إلى سجين

قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:

ما بي من لؤم ولا ضراعة

أمرك يا بن العم سمع طاعة

غديت بالبر لـه صناعة

أمط عنّي اللؤم والرقاعة

أرجو إن أطعمت من مجاعة

إني سأعطيه ولا أنهيه ساعة

وأدخل الجنة لي شفاعة

أن ألحق الأخيار والجماعة

فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم لم يذوقوا إلاّ الماء.

فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثاني فعجنته وخبزت منه أقراصاً، وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله ليفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله إذا يتيم قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامى المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

قال: فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من بين أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقول:

بنت نبي ليس بالزنيم

فاطم بنت السيد الكريم

ومن يسلم فهو السليم

قد جاءنا الله بذي اليتيم

لا يجوز على الصراط المستقيم

حرمت الجنة على اللئيم

فصاحب البخل يقف ذميم

طعامه الضريع في الجحيم

قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول هذه الأبيات:

واُوثر الله على عيالي

إني سأعطيه ولا اُبالي

أرجو بذاك الفوز في المال

وأقض هذا الغزل في الأغزال

ويكفني همّي في أطفالي

أن يقبل الله وينمي مالي

أصغرهم يقتل في القتال

أمسوا جياعاً وهم أشبالي

لقاتليه الويل مع وبال

بكربلاء يقتل باغتيال

كبؤله زادت على الأكبال

يهوى في النار إلى سفال

قال: فأعطوا طعامهم وباتوا على صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً.

فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثالث فعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله يريد أن يفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأردوا أكله فإذا أسير كافر قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد والله ما أنصفتمونا من أنفسكم، تأسرونا وتقيّدونا ولا تطعمونا، أطعموني فإني أسير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من بين أيديهم الطعام.

فأنشأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) هذه الأبيات وهو يقول:

يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

قد جاءنا الله بذي المقيّد

قد زانه الله بخلق أغيد

من يطعم اليوم يجده في غد

بالقيد مأسور فليس يهتدي

وما زرعه الزارعون يحصد

عند الإله الواحد الموحّد

ثم اطلبي خزائن التي لم تنفد

أعطيه ولا تجعليه أنكد

قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:

يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

قد دبرت الكف مع الذراع

يا بن عم لم يبق إلاّ صاع يا ربّ لا تتركهما ضياع

ابني والله هما جياع قد يصنع الخير بابتداع

أبوهما للخير صناع وما على رأسي من قناع

عبل الذراعين شديد الباع

إلاّ قناع نسجه نساع

قال: فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء، فأصبحوا وقد قضى الله عليهم نذرهم، وإنّ علياً (عليه السلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يترجّجان من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا نظر إليهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)اغرورقت عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين، فانطلق بها إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تغيّر لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكبّ عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: وا غوثاه بالله ثم بك يا رسول الله من الجوع.

قال: فرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: «اللهم أشبع آل محمد».

فهبط جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد اقرأ.

قال: وما أقرأ؟

قال: اقرأ (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ( إلى آخر ثلاث آيات(20).

ثم إنّ علياً (عليه السلام) مضى من فور ذلك حتى أتى أبا جبلة الأنصاري، فقال له: يا أبا جبلة هل من قرض دينار؟

قال: نعم يا أبا الحسن أشهد الله وملائكته أنّ أكثر مالي لك حلال من الله ومن رسوله.

قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك إن يك قرضاً قبلته.

قال: فرفع إليه ديناراً.

ومرّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً، فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد على الطريق فدنا منه وسلّم عليه وقال: يا مقداد ما لي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً؟

فقال أقول: كما قال العبد الصالح موسى بن عمران (عليه السلام): ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.

قال ومنذ كم يا مقداد؟

قال: هذا أربع.

فرجع علي (عليه السلام) مليّاً ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)منذ ثلاث وأنت يا مقداد مذ أربع، أنت أحق بالدينار مني.

قال: فدفع إليه الدينار ومضى حتى دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مسجده، فلما انفتل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ضرب بيده إلى كتفه ثم قال: يا علي انهض بنا إلى منزلك لعلّنا نصيب به طعاماً، فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة.

قال: فمضى وعلي (عليه السلام) يستحي من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رابط على بطنه حجراً من الجوع حتى قرعا على فاطمة الباب.

فلمّا نظرت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: وا سوأتاه من الله ومن رسوله، كأن أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا مذ ثلاث، ثم دخلت مخدعاً لها فصلّت ركعتين ثم نادت: يا إله محمد هذا محمد نبيك وفاطمة بنت نبيك وعلي ختن نبيك وابن عمّه وهذان الحسن والحسين سبطي نبيك، اللهم فإنّ بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللهم فإنّ آل محمد لا يكفروا بها، ثم التفتت مسلّمة فإذا هي بصحفة(21) مملوّة ثريد ومرق فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأهوي بيده إلى الصحفة فسبّحت الصحفة والثريد والمرق فتلا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ((22) ثم قال: كلوا من جوانب القصعة ولا تهدموا صومعتها فإنّ فيها البركة.

فأكل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يأكل وينظر إلى علي (عليه السلام) متبسّماً، وعلي (عليه السلام) يأكل وينظر إلى فاطمة (عليها السلام) متعجّباً، فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كل يا علي ولا تسأل فاطمة عن شيء، الحمد لله الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا (عليهما السلام) (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ((23)، يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته، لقد أعطاك الله الليلة خمسة وعشرين جزءً من المعروف، فأمّا جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنّته، وأمّا أربعة وعشرون جزءً قد ذخرها لك لآخرتك(24).

الزهراء تودع أباها (عليهما السلام)

قال سلمان: بينا أنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مرضه الذي قبض فيه، إذ دخلت عليه فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما به(صلى الله عليه وآله وسلم)خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خدّيها، فأبصر ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: ما يبكيك يا بنيّة، أقرّ الله عينك ولا أبكاها؟

قالت (عليه السلام): وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف؟ فمن لنا بعدك يا رسول الله؟

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم)لها (عليها السلام): يا فاطمة لكم الله فتوكّلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، واُمّهاتك من أزواجهم، ألا اُبشرك يا فاطمة؟

قالت (عليها السلام): بلى يا أبه.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبياً، وبعثه إلى كافة الخلق رسولاً، ثم اختار علياً فأمرني فزوّجتك إياه، واتخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً، يا فاطمة إنّ علياً أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدّهم في الله وفيّ غضباً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً، وأشجعهم قلباً، وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً.

فاستبشرت فاطمة (عليها السلام)، فأقبل عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: هل سررتك يا فاطمة؟

قالت (عليها السلام): نعم يا أبة، الحديث.

وقال عمار: لما حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أمر الله دعا بعلي (عليه السلام) فسارّه طويلاً ثم قال له: يا علي أنت وصيّي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وغصبت على حقك.

فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين (عليهما السلام).

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: يا سيّدة النسوان ممّ بكاؤك؟

قالت (عليها السلام): يا أبة أخشى الضيعة بعدك.

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنّك سيدة نساء أهل الجنّة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك سيد الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنّة، ومن صلب الحسين (عليه السلام) يخرج الله الأئمّة التسعة مطهّرون معصومون، ومنك مهدي هذه الاُمّة.

هذه وديعة الله

قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث: قلت لأبي (عليه السلام): فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال (عليه السلام): ثم دعا(صلى الله عليه وآله وسلم)علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لاُم سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ثم التفت إلى علي (عليه السلام) وقال له: يا علي ادن مني، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمة(عليها السلام) فوضعها على صدره طويلاً، وأخذ بيد علي (عليه السلام) بيده الاُخرى، فلما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الكلام غلبته العبرة فلم يقدر على الكلام.

فبكت فاطمة (عليها السلام) بكاءً شديداً وأكبّت على وجهه تقبّله، وبكى علي والحسن والحسين (عليهم السلام)لبكاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أكبّوا على وجهه.

فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رأسه إليهم ويدها في يده، فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل هذا يا علي، هذه والله سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته، يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل، وأمرتها أن تلقيها إليك، فانفذها، فهي الصادقة الصدوقة، واعلم يا علي أني راضٍ عمّن رضيَت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزّها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني براء، ثم سماهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام)، الحديث.

في بيت فاطمة (عليها السلام)

ولما كان صباح يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية المباركة استأذن على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ملك الموت، وهو(صلى الله عليه وآله وسلم)في بيت فاطمة (عليها السلام) وعمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ ذاك ثلاث وستّون سنة.

قال ابن عباس: فلما طرق الباب قالت فاطمة (عليها السلام): من ذا؟

قال: أنا غريب أتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فهل تأذنون لي في الدخول عليه؟

فأجابت: امضِ رحمك الله لحاجتك، فرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عنك مشغول.

فمضى ثم رجع فدقّ الباب وقال: غريب يستأذن على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فهل تأذنون للغرباء؟

فأفاق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا فاطمة إن هذا مفرق الجماعات، ومنغّص اللذّات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن على أحد بعدي، استأذن عليَّ لكرامتي على الله، ائذني له.

فقالت (عليها السلام): اُدخل رحمك الله، فلما اُذن له دخل كريح هفّافة وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليك السلام يا ملك الموت.

فقال: إنّ ربك أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا.

فاستمهله(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل فقال: السلام عليك يا أبا القاسم.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليك السلام يا حبيبي جبرائيل.

فقال: يا رسول الله إنّ ربك إليك مشتاق، وما استأذن ملك الموت على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك.

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا حبيبي جبرئيل إن ملك الموت قد خيّرني عن ربّي بين لقائه وبين الرجوع إلى الدنيا، فما الذي ترى؟

فقال: يا رسول الله {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}(25).

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، لقاء ربي خير لي، لا تبرح يا حبيبي جبرئيل حتى ينزل ملك الموت، فنزل ملك الموت فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): امض لما اُمرت له.

ثم مدّ(صلى الله عليه وآله وسلم)يده إلى علي (عليه السلام) فجذبه إليه وهو يقول: ادن مني يا أخي فقد جاء أمر الله، فدنا (عليه السلام) منه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه في اُذنه وجعل يناجيه طويلاً حتى فارقت روحه الدنيا، صلوات الله عليه وآله، ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها (عليه السلام) إلى وجهه فمسحه بها.

ثم انسل علي (عليه السلام) من تحت ثيابه، وقال: أعظم الله اُجوركم في نبيّكم، فقد قبضه الله إليه ثم مدّ عليه ازاره، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يالها من مصيبة خصت الأقربين وعمت المؤمنين، لما يصابوا بمثلها قط، ولا عاينوا مثلها.

فارتفعت عندها الأصوات بالضجّة والبكاء. فصاحت فاطمة (عليها السلام) وصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب على رؤوسهم، وفاطمة (عليها السلام) تقول: يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه، واجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

وبعد الوفاة

روي أنّه لمّا قبض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)امتنع بلال من الأذان وقال: لا اُؤذّن لأحد بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنّ فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلمّا قال: (رحمه الله)الله أكبر، الله أكبر( ذكرت أباها(صلى الله عليه وآله وسلم)وأيّامه فلم تتمالك من البكاء.

فلمّا بلغ إلى قوله: (رحمه الله)أشهد أنّ محمّداً رسول الله(، شهقت فاطمة (عليها السلام) شهقة وسقطت لوجهها وغُشي عليها.

فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه.

فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألت أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك(26).

في رثاء أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم)

كانت الصديقة الزهراء ترثي أباها(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ما تأخذ من تراب القبر الشريف وتضعه على عينيها، وتقول:

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

ماذا على من شمّ تربة أحمد صبّت على الأيّام عدن لياليا(27)

صبّت عليّ مصائب لو أنّها وتقول (عليها السلام) أيضا:

إن كنت تسمع صرختي وندائيا

قل للمُغيّب تحت أطباق الثرى لا أخشى من ضيم وكان حماً ليا

قد كنت ذات حمى بظلّ محمّد ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

فاليوم أخشع للذليل وأتّقي شجناً على غصن بكيت صباحيا

فإذا بكت قمرية في ليلها ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا(28)

فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي وتقول (عليها السلام) ترثيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

شمس النهار وأظلم العصران

اغبر آفاق السماء وكوّرت أسفاً عليه وكثيرة الرجفان

فالأرض من بعد النبي كئيبة وليبكه مضر وكل يمان(29)

فليبكه شرق البلاد وغربها وتقول (عليها السلام) أيضا:

تبكي عليك الناظر

كنت السواد لمقلتي فعليك كنت اُحاذر(30)

من شاء بعدك فليمت

الهجوم على دارها (عليها السلام)

وقد هجم القوم بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على دار الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وذلك طمعاً في الخلاقة واغتصاباً لحق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأحرقوا الباب، وعصروها بين الحائط والباب وكسروا ضلعها وضربوها حتى أسقطت جنينها الذي سماه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)محسناً، وقد بقي أثر السياط في عضدها كمثل الدملج(31).

خطبة الزهراء (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

إنّ القوم لم يراعوا حرمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في ابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) ولا في وصيه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فغصبوا الخلافة منه (عليه السلام) وغصبوا فدك فاطمة (عليها السلام)، ولكن الصدّيقة الزهراء(عليها السلام) لم تقف أمام غصب الخلافة والتعدي على حقّ زوجها والاستيلاء على فدكها مكتوفة الأيدي، وإنّما خرجت من منزلها وهي القائلة:(رحمه الله)خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها((32)، من أجل استرجاع الحقوق المغصوبة التي استولت عليها حكومة ابن أبي قحافة.

وليس ذلك فحسب، بل إنّها (عليها السلام) خطبت خطبتان أحدهما في المسجد وقد أشرنا إلى بعض أبعادها الفقهية في كتاب «من فقه الزهراء (عليها السلام)».

وكان لها خطبة اُخرى في نساء المهاجرين والأنصار عندما أتين لعيادتها (عليها السلام)، ذكرناها في نهاية الفصل الثاني من الكتاب(33) مع بعض التفصيل، ونقتصر في هذا الكتاب على أصل الخطبة:

عن عبدالله بن الحسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين: «أنّها لمّا مرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) المرضة التي توفّيت فيها، واشتدّت عليها علّتها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها، فسلّمنّ عليها وقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فحمدت الله وصلّت على أبيها، ثمّ قالت:

أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، لفظتهم(34) بعد أن عجمتهم(35)، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول(36) الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة، وصدع القناة، وخطل(37) الرأي، وزلل الأهواء، و{لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ}(38).

لا جرم والله لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً(39)، وبعداً للقوم الظالمين، ويحهم أنّا زعزعوها(40) عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين باُمور الدنيا والدين {ألا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ}(41)، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره(42) في ذات الله عزّوجلّ، وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها، وحملهم عليها، وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لاعتقله(43)، ولسار بهم سجحاً(44)، لا يكلّم خشاشة(45)، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً(46) صافياً روياً فضفاضاً(47) تطفح ضفّتاه(48)، ولا يترنّق(49) جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ري الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}(50)، {وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ}(51). ألا هلّم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}(52) ليت شعري إلى أي لجأ لجأوا؟ وإلى أي سناد استندوا؟ وعلى أي عماد اعتمدوا؟ وبأي عروة تمسّكوا؟ وعلى أي ذرية قدموا واحتنكوا؟ {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(53) و{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}(54).

استبدلوا والله الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس(55) قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لايَشْعُرُونَ}(56) ويحهم {أفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(57).

أما لعمري لقد لقحت(58) فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملء العقب دماً عبيطاً وذعافاً(59)، واطمئنّوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج دائم شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئَكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد عميت عليكم {أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}(60).

استشهادها (عليها السلام)

توفّيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مظلومة شهيدة، بعد ما جرى عليها من الظلم والجور، والضرب واللطم، وكسر الضلع وسقط الجنين، وكان وفاتها في الثالث من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية على المشهور بين أصحابنا، وهو المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام).

وفي بعض الروايات: إنها (عليها السلام) توفيت بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بخمسة وسبعين يوماً.

وقيل: إنّها توفّيت لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر.

وكان عمرها (صلوات الله عليها وعلى أبيها) عند وفاتها ثماني عشرة سنة.

عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل (عليه السلام) فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك»(61).

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين، الإثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول الله (عليه السلام) وهاهنا كان المشركون».

وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنّها كانت تصلّي هناك وتدعو حتّى ماتت»(62).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «ما رؤيت فاطمة ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى قبضت»(63).

وروي: «أنّها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة، أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما»(64).

وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «قبضت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى فلان لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ولم تدع أحداً ممن آذاها أن يدخل عليها...»(65)، الحديث

هذا وقد أخبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما يجري عليها من الظلم كما في (مستدرك الوسائل):

روي أنه دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً على فاطمة (عليها السلام) فهيأت لـه طعاماً من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلما أكلوا سجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأطال سجوده ثم بكى ثم ضحك وجلس، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله رأينا فيك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم، فسجدت لله تعالى شكراً، فهبط جبرئيل يقول: سجدتَ شكراً لفرحك بأهلك؟

فقلت: نعم.

فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟

فقلت: بلى يا أخي جبرئيل.

فقال: أما ابنتك فهي أول أهلك لحوقاً بك بعد أن تظلم ويؤخذ حقها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها، وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل، وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم، وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه وتقتل عترته وتطؤه الخيول ويُنهب رحله وتُسبى نساؤه وذراريه ويدفن مرملاً بدمه ويدفنه الغرباء.

فبكيت وقلت: هل يزوره أحد؟

قال: يزوره الغرباء.

قلت: فما لمن زاره من الثواب؟

قال: يكتب لـه ثواب ألف حجة وألف عمرة كلها معك.

فضحكت(66).

ونقرأ في زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي رواها السيد بن طاووس (رحمه الله) في كتاب إقبال الأعمال:

«السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة.

السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة.

السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة...

اللهم صل على محمد وأهل بيته.

وصل على البتول الطاهرة

الصديقة المعصومة.

التقية النقية.

الرضية المرضية.

الزكية الرشيدة.

المظلومة المقهورة.

المغصوبة حقها.

الممنوعة إرثها.

المكسور ضلعها.

المظلوم بعلها.

المقتول ولدها.

فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(67).

ما أحسن هذا

عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة (سلام الله عليها)، قالت لها: إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى.

فقلت: يا بنت رسول الله أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض الحبشة.

قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحبستها ثم طرحت عليها ثوباً.

فقالت: فاطمة (سلام الله عليها): ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا متّ فاغسليني أنت، فلمّا ماتت (عليها السلام) غسّلها علي (عليه السلام) وأسماء(68).

تغسيل الطاهرة

عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من غسّل فاطمة(عليها السلام)؟

قال: «ذاك أمير المؤمنين(عليه السلام)».

وكأنّي استعظمت ذلك من قوله، فقال: «كأنّك ضقت بما أخبرتك به»؟.

قال: فقلت: قد كان ذلك، جعلت فداك.

قال: فقال: «لا تضيّقنّ فإنّها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلاّ الصدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلاّ عيسى (عليه السلام)»(69).

وعن اُمّ سلمى، قالت: اشتكت فاطمة (سلام الله عليها) شكواها التي قُبضت فيها، وكنت أمرضها فأصبحت يو
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:01 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

الآن نتابع حلقة جديدة

- الحلقة الخامسة -

السيّدة شاه زنان (عليها السلام) بنت كسرى والدة الإمام زين العابدين (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة الجليلة: شهربانوية بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها: (شاه زنان) أي ملكة النساء(1).

سمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام): (مريم).

وقيل: سمّاها ب‍ (فاطمة).

وقيل: إنّ اسمها (خولة) وسمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) ب‍ (شاه زنان).

وقيل: إنّ اسمها (برّة بنت النوشجان).

وقيل: إن اسمها (سلافة) أو (سلامة).

وقيل: إن اسمها (غزالة).

ولعلها كانت لها عدة أسماء وألقاب.

فهي حفيدة كسرى الملك الذي لقب بالعادل حيث قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولدت في زمان الملك العادل صالح»(2)، والمراد بذلك هو عدالته في دينه ومبدئه، أو عدالته النسبية كما لا يخفى.

وقد تزوّجت (شاه زنان) الإمام الحسين (عليه السلام) وولدت لـه الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهي جدّة الأئمّة (عليهم السلام).

ما اسمك؟

وفي بحار الأنوار:

قال علي (عليه السلام) لها: ما اسمك؟

قالت: شاه ‏زنان.

فقال: نه شاه زنان نيست مكر دختر محمد، وهي سيدة النساء وأنت شهربانويه. أي إن سيدة النساء هي فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)دون غيرها(3).

وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي (عليه السلام) .

أكرموا كريم قوم

نقل أبو جعفر الطبري: لمّا ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.

فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.

فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولابدّ أن يكون لي فيهم ذرية وأنا اُشهد الله واُشهدكم أنّي قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.

فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.

فقال: اللهم اشهد أنّي قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.

فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله.

فقال: اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته واُشهدك أنّي قد أعتقتهم لوجهك.

فقال عمر: لِمَ نقضت عليّ عزمي في الأعاجم وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم.

فأعاد عليه ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في إكرام الكرماء.

فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إيّاهم.

فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هنّ لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن ما اخترنه عمل به.

فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور، فقيل لها: من تختارين من خطّابك، وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟

فسكتت.

فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد أرادت وبقي الاختيار.

فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صمتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها على ما تختاره.

وإنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي(عليه السلام) فاُعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّها وتكلّم حذيفة بالخطبة.

فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): ما اسمك؟

فقالت: شاه زنان بنت كسرى.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنت شهربانويه واُختك مرواريد بنت كسرى؟

قالت: آريه(4).

وقال المبرد: (كان اسم اُمّ علي بن الحسين (عليه السلام) سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل: خولة، ولقبه (عليه السلام) ذو الثفنات والخالص والزاهد والخاشع والبكّاء والمتهجّد والرهباني وزين العابدين وسيّد العابدين والسجّاد، وكنيته أبو محمد وأبو الحسن، بابه يحيى ابن اُمّ الطويل المدفون بواسط قتله الحجّاج لعنه الله)(5).

ما حفظت عن أبيك؟

في الإرشاد قال: سأل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) شاه ‏زنان بنت كسرى حين أسرت: ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.

فقال (عليه السلام): «ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير»(6).

زواجها (عليها السلام)

كانت السيّدة شهربانو من اُسراء الفرس الذين جاؤوا بهم إلى المدينة من بنات يزدجرد وكنّ ثلاث فتيات:

1: تزوّجت واحدة منهنّ من عبد الله بن عمر، فأولدها سالم.

2: والاُخرى من محمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم.

3: والثالثة من الإمام الحسين (عليه السلام) وأولدها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد اُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي (عليه السلام) وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فاختارت الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) ـ كما سبق ـ فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت لـه خير أهل الأرض في زمانه.

ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فرغبوا فيهنّ.

ابن الخيرتين

عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر، غطّت وجهها وقالت: «اَف بيروج بادا روى هرمز».

فقال عمر: أتشتمني هذه وهمّ بها.

فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه.

فخيّرها، فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الإمام الحسين (عليه السلام).

فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): ما اسمك؟

فقالت: جهان شاه.

فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): بل شهربانويه.

ثم قال للإمام الحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله، لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان يقال للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس(7).

الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها في عالم الرؤيا

وفي بعض الأخبار أنها ـ شاه زنان ـ قامت ووضعت يدها على منكب الإمام الحسين (عليه السلام)، كأنّها كانت تعرفه ورأته في منامها، كما حكت قصّتها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا كأنّ محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين (عليه السلام)، وخطبني لـه وزوّجني أبي منه. فلمّا أصبحت، كان ذلك يؤثّر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلمّا كانت الليلة الثانية، رأيت السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أتتني وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وأنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (عليه السلام) سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن اُخرجت إلى المدينة(8).

وروي أيضاً: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولى حريث بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار، فنحل ابنه الحسين (عليه السلام) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (عليه السلام) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت لـه القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة(9).

المولود المبارك

حملت السيدة شاه زنان بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وكان مولده (عليه السلام) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود: في وصف الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:

لأكرم من نيطت عليه التمائم(10)

وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم عاش الإمام (عليه السلام) مع جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين، ومع عمّه الإمام الحسن (عليه السلام) اثنتي عشر سنة، ومع أبيه (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة.

وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.

وتوفّي بالسم في المدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة. وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)(11).

احتراماً للأم

ورد أنه قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنك من أبرّ الناس، ولا تأكل مع اُمّك(12) في قصعة(13)؟ وهي تريد ذلك؟

فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة(14) بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل(15).

وفاتها

قيل: إن السيدة (شهربانو) ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين (عليه السلام) فكفلته بعض اُمّهات ولد أبيه. فكان يحسن إليها كما يحسن إلى والدته، وكان الناس يسمّونها اُمّه، ثم زوّجها، فقال بعض الناس: زوّج اُمّه.

وعلى هذا الخبر فلم تكن (السيدة شهربانو) حاضرة يوم الطف، ولكن في بعض التواريخ أن امرأة تسمى بشهربانو كانت حاضرة يوم عاشوراء، حيث ورد: (وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة)(16).

ـــــــــــــــــــــ

(1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص176.

(2) راجع إعلام الورى: ص5 ف1.

(3) بحار الأنوار: ج101 ص200 ب2 ح22.

(4) آريه كلمة فارسية: أي نعم.

(5) بحار الأنوار: ج46 ص16.

(6) الإرشاد: ج1 ص302.

(7) الكافي: ج1 ص466 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام) ح1.

(8) راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص751.

(9) بحار الأنوار: ج46 ص12 عن الإرشاد: ج2 ص137.

(10) الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام).

(11) راجع بحار الأنوار: ج46 ص12 ح23.

(12) يرى البعض أن أم الإمام (عليه السلام) توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته.

(13) القصعة: وهي تشبع العشرة، مجمع البحرين مادّة قصع.

(14) الغضارة: الطين الحر، وقيل الطين اللازب الأخضر، (لسان العرب) مادّة غضر.

(15) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص162.

(16) بحار الأنوار: ج45 ص45-46.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:02 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

- الحلقة السادسة -

السيّدة فاطمة (عليها السلام) بنت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) والدة الإمام الباقر(ع)

النسب الشريف

هي السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، اُمّ الإمام محمد الباقر(عليه السلام).

والباقر (عليه السلام) هاشمي من هاشميين، وعلوي من علويين، وفاطمي من فاطميين، لأنه أول من اجتمعت لـه ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام)(1).

كنيتها: (اُمّ عبد الله) و(أم الحسن).

وكانت (عليها السلام) من سيدات نساء بني هاشم.

وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) يسمّيها: (الصدّيقة)(2).

ويقول فيها الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها»(3).

من كراماتها

عن أبي الصباح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كانت اُمّي قاعدة عند جدار فتصدّع(4) الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجو حتّى جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار».

قال أبو الصباح: وذكر أبو عبد الله (عليه السلام) جدّته اُمّ أبيه يوماً، فقال: «كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها»(5).

في واقعة الطف

حضرت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن(عليه السلام) مع زوجها الإمام زين العابدين وابنها الإمام الباقر (عليه السلام) واقعة الطف في يوم عاشوراء، وقد شاهدت ما جرى على آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)في ذلك اليوم من مصائب ومحن، حيث رأت مصرع عمها الإمام الحسين (عليه السلام)، وقتل أخيها القاسم وعبد الله (عليهما السلام) وبقية الأبطال من آل البيت (عليهم السلام)والأصحاب الكرام، وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات يشكو العطش، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله(6).

روايتها

روت السيدة الجليلة فاطمة والدة الإمام الباقر(عليه السلام) روايات عديدة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)كان منها الدعاء عقيب كل ركعتين من نوافل الزوال.

روى عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمها فاطمة بنت الحسن، عن أبيه الحسن بن علي (صلوات الله عليهم) قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يدعو بهذا الدعاء بين كل ركعتين من صلاة الزوال:

الركعتان الأولتان:

«اللهم أنت أكرم مأتي وأكرم مزور، وخير من طلبت إليه الحاجات، وأجود من أعطى، وأرحم من استرحم، وأرأف من عفا، وأعز من اعتمد عليه، اللهم بي إليك فاقة، ولي إليك حاجات، ولك عندي طلبات من ذنوب أنا بها مرتهن، وقد أوقرت ظهري وأوبقتني، وإلا ترحمني وتغفر لي (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ((7)، اللهم إني اعتمدتك فيها تائباً إليك منها، فصل على محمد وآله واغفر لي ذنوبي كلها، قديمها وحديثها، سرها وعلانيتها، وخطاها وعمدها، صغيرها وكبيرها، وكل ذنب أذنبته وأنا مذنبه، مغفرة عزماً جزماً لا تغادر ذنباً واحداً، ولا أكتسب بعدها محرماً أبداً، واقبل مني اليسير من طاعتك، وتجاوز لي عن الكثير من معصيتك، يا عظيم إنه لا يغفر العظيم إلا العظيم، (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ((8)، يا من هو كل يوم في شأن، صل على محمد وآله واجعل لي في شأنك شأن حاجتي، وحاجتي هي فكاك رقبتي من النار، والأمان من سخطك، والفوز برضوانك وجنتك، وصل على محمد وآل محمد، وامنن بذلك عليّ وبكل ما فيه صلاحي، وأسألك بنورك الساطع في الظلمات أن تصلي على محمد وآل محمد، ولا تفرق بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، إنك على كل شي‏ء قدير، اللهم واكتب لي عتقاً من النار مبتولاً، واجعلني من المنيبين إليك، التابعين لأمرك، المخبتين إليك، الذين إذا ذكرت وجلت قلوبهم، والمستكملين مناسكهم، والصابرين في البلاء، والشاكرين في الرخاء، والمطيعين لأمرك فيما أمرتهم به، والمقيمين الصلاة، والمؤتين الزكاة، والمتوكلين عليك، اللهم أضفني بأكرم كرامتك، وأجزل من عطيتك، والفضيلة لديك، والراحة منك، والوسيلة إليك، والمنزلة عندك ما تكفيني به كل هول دون الجنة، وتظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وتعظم نوري، وتعطيني كتابي بيميني، وتخفف حسابي، وتحشرني في أفضل الوافدين إليك من المتقين، وتثبتني في عليين، وتجعلني ممن تنظر إليه بوجهك الكريم، وتتوفاني وأنت عني راض، وألحقني بعبادك الصالحين.

اللهم صل على محمد و آله واقلبني بذلك كله مفلحاً منجحاً قد غفرت لي خطاياي وذنوبي كلها، وكفرت عني سيئاتي، وحططت عني وزري، وشفعتني في جميع حوائجي في الدنيا والآخرة، في يسر منك وعافية.

اللهم صل على محمد وآله ولا تخلط بشيء من عملي ولا بما تقربت به إليك رئاء، ولا سمعة ولا أشراً ولا بطراً، واجعلني من الخاشعين لك.

اللهم صل على محمد وآله وأعطني السعة في رزقي، والصحة في جسمي، والقوة في بدني على طاعتك وعبادتك، وأعطني من رحمتك ورضوانك وعافيتك ما تسلمني به من كل بلاء الدنيا والآخرة، وارزقني الرهبة منك، والرغبة إليك، والخشوع لك، والوقار والحياء منك، والتعظيم لذكرك، والتقديس لمجدك أيام حياتي حتى تتوفاني وأنت عني راض، اللهم وأسألك السعة والدعة والأمن والكفاية والسلامة والصحة والقنوع والعصمة والهدى والرحمة والعافية واليقين والمغفرة والشكر والرضا والصبر والعلم والصدق والبر والتقوى والحلم والتواضع واليسر والتوفيق.

اللهم صل على محمد وآله واعمم بذلك أهل بيتي وقراباتي وإخواني فيك، ومن أحببت وأحبني، أو ولدته وولدني، من جميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأسألك يا رب حسن الظن بك، والصدق في التوكل عليك، وأعوذ بك يا رب أن تبتليني ببلية تحملني ضرورتها على التغوث بشيء من معاصيك، وأعوذ بك يا رب أن أكون في حال عسر أو يسر أظن أن معاصيك أنجح في طلبتي من طاعتك، وأعوذ بك من تكلف ما لم تقدر لي فيه رزقاً، وما قدرت لي من رزق فصل على محمد و آله وآتني به في يسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين».

وقل: «رب صل على محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملاً بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

ثم تخر ساجداً وتقول: «اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك، وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، أن تصلي على محمد وآله، وأن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقلبني اليوم بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني، يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا بر يا كريم، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن نفسي ومن الناس أجمعين، بي إليك حاجة وفقر وفاقة، وأنت عني غني، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحم فقري، وتستجيب دعائي، وتكف عني أنواع البلاء، فإن عفوك وجودك يسعني».

التسليمة الثانية:

«اللهم إله السماء وإله الأرض، وفاطر السماء وفاطر الأرض، ونور السماء ونور الأرض، وزين السماء وزين الأرض، وعماد السماء وعماد الأرض، وبديع السماء وبديع الأرض، ذا الجلال والإكرام، صريخ المستصرخين، وغوث المستغيثين، ومنتهى رغبة العابدين، أنت المفرج عن المكروبين، وأنت المروح عن المغمومين، وأنت أرحم الراحمين، ومفرج الكرب، ومجيب دعوة المضطرين، وإله العالمين، المنزول به كل حاجة، يا عظيما يرجى لكل عظيم، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا».

وقل: «رب صل على محمد وآل محمد، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

التسليمة الثالثة:

«يا علي، يا عظيم، يا حي، يا حليم، يا غفور، يا سميع، يا بصير، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( وَلَمْ يَكُنْ لـه كُفُواً أَحَدٌ((9) يا رحمان، يا رحيم، يا نور السماوات والأرض، تم نور وجهك، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت لـه السماوات والأرض، وباسمك العظيم الأعظم الأعظم الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وبقدرتك على ما تشاء من خلقك، فإنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول لـه كن فيكون، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا».

وقل: «رب صل على محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» وترفع بها صوتك.

التسليمة الرابعة:

«اللهم صل على محمد وآل محمد، شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، اللهم صل على محمد وآل محمد، الكهف الحصين، وغياث المضطر المستكين، وملجإ الهاربين، ومنجي الخائفين، وعصمة المعتصمين، اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة كثيرة تكون لهم رضى، ولحق محمد وآل محمد صلى الله عليهم أداء وقضاءً، بحول منك وقوة يا رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد، الذين أوجبت حقهم ومودتهم، وفرضت طاعتهم وولايتهم، اللهم صل على محمد وآل محمد، واعمر قلبي بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك مما وسعت عليّ من فضلك، والحمد لله على كل نعمة، وأستغفر الله من كل ذنب، ولا حول ولا قوة إلا بالله من كل هول»(10).

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص208.

(2) الكافي: ج1 ص390، أعيان الشيعة: ج1 ص651، المناقب: ج4 ص195.

(3) الكافي: ج1 ص469، أعيان الشيعة: ج1 ص650.

(4) تصدّع: انشق نصفين، (لسان العرب) مادّة صدع.

(5) الكافي: ج1 ص469 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) ح1.

(6) انظر أعيان الشيعة: ج1 ص65، وج8 ص390.

(7) سورة هود: 47.

(8) سورة الرحمن: 29.

(9) سورة الإخلاص: 3-4.

(10) فلاح السائل: ص 138-142.


_________________
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:03 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
ننتقل لحلقة جديدة مع والدة معصوم آخر
- الحلقة السابعة -

السيّدة فاطمة أمّ فروة (عليها السلام) بنت القاسم والدة الإمام الصادق (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة الجليلة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، والدة الإمام الصادق (عليه السلام).

كنيتها: أم فروة، وقيل: أم القاسم.

وقد كانت (عليها السلام) من الصالحات القانتات، ومن أتقى نساء أهل زمانها.

قال الإمام الصادق(عليه السلام): «وكانت اُمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت والله يحب المحسنين»(1).

وقال أبو الحسن الكاظم (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة»(2).

وفي أعيان الشيعة: اُمّ فروة، وقيل: اُمّ القاسم، واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، واُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): «ولدني أبو بكر مرتين»(3) .

والدها

كان أبوها: القاسم من ثقاة أصحاب الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام).

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان سعيد بن المسيّب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي، من ثقات علي بن الحسين (عليه السلام)»(4).

جدها

وكان جدها محمد بن أبي بكر من خلص شيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وحواريه، وقد ولاه الإمام (عليه السلام) مصر وكتب إليه عهداً(5)، ووالدته(6) السيدة الجليلة أسماء بنت عميس (رضوان الله عليها).

قتله معاوية بمصر(7)، وقد ترحم أمير المؤمنين(عليه السلام)(8) والإمام الصادق(عليه السلام) عليه(9).

ووردت في فضله روايات عديدة نشير إلى بعضها:

من هم شيعة علي (عليه السلام)

في الاحتجاج بالإسناد إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: «قدم جماعة فاستأذنوا على الرضا (عليه السلام) وقالوا: نحن من شيعة علي، فمنعهم أياما، ثم لما دخلوا قال لهم: ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام): الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره»(10).

أين حواري علي (عليه السلام) ؟

وقال أبو الحسن موسى (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه، فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ينادي أين حواري علي بن أبي طالب وصي محمد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني»(11).

إنه شهيد حي

قال سليم: فلمّا قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزّيت به أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلوت به وحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وبما حدّثني به ابن غنم، قال: «صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهيد حيّ مرزوق»(12).

عند الله نحتسبه

وفي التاريخ أنه حزن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبي بكر، حتى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيباً: «ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هين المؤمن»(13).

حزن الإمام (عليه السلام) عليه

وورد أنه: قدم عبد الرحمن بن شبيب وكان عيناً لعلي(عليه السلام) وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضاً بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر، وقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت يوماً قط سروراً مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد، فقال علي(عليه السلام) : «أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا».

فرد (عليه السلام) مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه، وقام خطيبا فحمد الله وأنثى عليه ثم قال: «ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجاً ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله عليه وعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن»(14).

إنه ولدي

وقال المدائني: وقيل لعلي(عليه السلام) لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين؟ فقال: «وما يمنعني أنه كان لي ربيباً وكان لبني أخاً وكنت لـه والداً أعده ولداً»(15).

جزع الأمير (عليه السلام) عليه

وعن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: (لما جاء علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا)(16).

نقصنا حبيباً

وفي (نهج البلاغة) وقال(عليه السلام) لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: «إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً»(17).

الولد الناصح

وفي (نهج البلاغة) أيضاً: ومن كتاب لـه (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر: «أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءً»(18).

رسالة إلى معاوية

وفي (الاحتجاج): كتب محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) إلى معاوية احتجاجا عليه:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد بن أبي بكر إلى الباغي معاوية بن صخر، سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله، أما بعد فإن الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة، ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد وغوي ورشيد، ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتخب منهم محمدا(صلى الله عليه وآله وسلم)واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه (بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ((19)، فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف، وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو، المبرز السابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله، تجمعان الجموع على ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل، على ذلك مات أبوك وعليه خلفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وأول الناس لـه اتباعا وآخرهم به عهدا، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع بباطلك ما استطعت، وتبدد بابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا، والسلام على من اتبع الهدى).

فأجابه معاوية: (إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام على أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه، ذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول، وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في زمان نبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)نرى حق علي لازما لنا وسبقه مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)ما عنده وأتم لـه ما وعده وقبضه إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على ذلك اتفقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى، ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وأصحابك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكم، وكان أبوك مهد مهاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهديه اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله، فعب أباك أو دعه، والسلام على من تاب وأناب)(20).

نجابته من أمه

وعن حمزة بن محمد الطيار قال:

ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «رحمه الله وصلى عليه، قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوما من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه»(21).

هكذا بايع

وعن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام): «أن محمد بن أبي بكر بايع عليا (عليه السلام) على البراءة من الأول»(22).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني»(23).

الأصحاب الأصفياء

كما ورد أن «من أصفياء أصحابه ـ أي أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ عمرو بن الحمق الخزاعي عربي وميثم التّمار وهو ميثم بن يحيى مولى ورشيد الهجري وحبيب بن مظهّر الأسدي ومحمد بن أبي بكر»(24).

لا يرضى بمعصية الله

وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر لايرضيان أن يعصى اللّه عزّ وجلّ»(25).

المحامدة

وعن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنّ المحامدة تأبى أن يعصى عزّوجلّ، قلت: ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة ـ رحمهم اللّه ـ أمّا محمد بن أبي حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية»(26).

وفي يوم الجمل

وفي التاريخ أنه: سلّم محمد بن أبي بكر يوم الجمل على عائشة ـ أخته ـ فلم تكلمه، فقال: أسألك بالله الذي لا إله إلا هو، ألا سمعتك تقولين: الزم علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»؟

قالت: بلى قد سمعت ذلك منه(صلى الله عليه وآله وسلم)(27).

يحدث بفضائل فاطمة (عليها السلام)

وروي: أن محمد بن أبي بكر قرأ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ( الآية(28)، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدثة، وسارة وقد عاينت الملائكة وبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت محدثة، ولم تكن نبية»(29).

أسماء بنت عميس

وأم محمد بن أبي بكر هي السيدة الجليلة أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت لـه هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمداً ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان محمد ربيبه وخريجه، وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يمكن يعرف أباً غير علي (عليه السلام) ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتى قال(عليه السلام): «محمد ابني من صلب أبي بكر»، وكان يكنى أبا القاسم، وقيل: أبا عبد الرحمن، وكان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار، واختلف هل باشر قتل عثمان أو لا، ومن ولد محمد: القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم: عبد الرحمن من فضلاء قريش ويكنى أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا: أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما(30).

إنهما ابنا خالة

وفي بعض التواريخ: (إن حريثا بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ببنتي يزدجرد فأعطى واحدة لابنه الحسين (عليه السلام) فأولدها علي بن الحسين (عليه السلام) وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة)(31).

أختها

ولاُمّ فروة اُخت تعرف باُمّ حكيمة، كانت زوجة اسحاق العريضي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولدت لـه القاسم، وهو رجل جليل، كان أميراً على اليمن، وهو أبو داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري البغدادي، العالم الورع، الثقة الجليل، الذي أدرك الرضا وبقية الأئمة (عليهم السلام)، وكان من وكلاء الناحية المقدّسة، وكان عالي النسب، فإنه ينتهي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام).

فقهها

روى الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلى قال: رأيت اُمّ فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى، فقال لها رجل ممّن يطوف: يا أمة الله أخطأت السُنّة.

فقالت: إنّا لأغنياء عن علمك(32).

وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه» وكان يأمر أم فروة بذلك(33).

رواياتها

وقد روت هذه السيدة الجليلة عن أهل البيت (عليهم السلام)روايات عديدة، منها ما روته عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حيث قال لها:

«يا اُمّ فروة إني لأدعو الله(34) لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب، وهم يصبرون على ما لا يعلمون»(35).

رعايتها

كان الإمام الصادق (عليه السلام) يهتم برعاية زوجته أم فروة، وقد اشترى لها خادمة لكي تعينها في أمور البيت.

قال أبو عبد الله (عليه السلام) لإسماعيل حبيبه وحارث البصري: «اطلبوا لي جارية من هذا الذي تسمونها كدبانوجة(36) مسلمة تكون مع أم فروة».

فدلوه على جارية كانت لشريك لأبي من السراجين فولدت لـه بنتا ومات ولدها، فأخبروه بخبرها فاشتروها وحملوها إليه، وكان اسمها رسالة فحول اسمها فسماها سلمى وزوجها سالم فهي أم حسين بن سالم.

وفي بعض الروايات أن مولاتها كانت (سعيدة).

في التهذيب عن الحسين بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ جاءه محمد بن عبد السلام، فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: إن رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها؟

فلم يرسل معه بالجواب، ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: «إن محمد جاءني برسالة منك، فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه»(37).
ـــــــــــــــــ

(1) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.

(2) الكافي: ج3 ص217 باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتخاذ المأتم ح5.

(3) بحار الأنوار: ج29 ص651.

(4) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.

(5) نهج البلاغة، الرسائل: 34، ومن كتاب لـه (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر. وانظر بحار الأنوار: ج33 ص540 ب30 ح720.

(6) أي والدة محمد بن أبي بكر.

(7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص91-92 ولاية محمد بن أبي بكر على مصر.

(8) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.

(9) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.

(10) بحار الأنوار: ج22 ص330 ب10 ح39.

(11) بحار الأنوار: ج22 ص342 ب10 ضمن ح52.

(12) الإرشاد: ج2 ص393 خبر وفاة أبي بكر ومعاذ بن جبل.

(13) الغارات: ج1 ص195، ورود قتل محمد بن أبي بكر على علي (عليه السلام).

(14) بحار الأنوار: ج33 ص563 ب30.

(15) بحار الأنوار: ج33 ص566 ب30 ضمن ح722.

(16) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ضمن ح734.

(17) نهج البلاغة، قصار الحكم: ح325.

(18) نهج البلاغة، الكتب: 35.

(19) سورة النحل: 125.

(20) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ح723.

(21) بحار الأنوار: ج33 ص584 ب30 ح727.

(22) انظر الاختصاص: ص70 محمد بن أبي بكر.

(23) بحار الأنوار: ج33 ص585 ب30 ح731.

(24) راجع بحار الأنوار: ج34 ص271 ب34.

(25) رجال الكشي: ج1 ص63 محمد بن أبي بكر ح112.

(26) راجع بحار الأنوار: ج33 ص271 ب20 ح520.

(27) المناقب: ج3 ص62 فصل في أنه (عليه السلام) مع الحق والحق معه.

(28) سورة الحج: 52.

(29) راجع بحار الأنوار: ج43 ص55 ب3 ح48.

(30) انظر بحار الأنوار: ج42 ص162 ب124 ضمن ح33.

(31) بحار الأنوار: ج45 ص330 ب48 ضمن ح3.

(32) الكافي: ج4 ص428 باب نوادر الطواف ح6.

(33) الكافي: ج4 ص398 باب دخول الحرم ح3.

(34) أي استغفر.

(35) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.

(36) كدبانوجة: معربة (كدبانو) أي المرأة التي تدير البيت وتقوم بشوؤنها من الطبخ وما أشبه.

(37) تهذيب الأحكام: ج9 ص56 ب1 ح236
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:04 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

والآن مع حلقة جديدة

- الحلقة الثامنة -

السيّدة حميدة المغربية (عليها السلام) والدة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة حميدة المغربية (البربرية) بنت صاعد البربري.

لقبها: لؤلؤة.

وقد لقبها الإمام الباقر (عليه السلام) بالمحمودة، حيث قال لها: «أنت حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة»(1).

ولقبها الإمام الصادق (عليه السلام) بالمصفاة من الأدناس(2).

والسيدة حميدة من أهل بربر، وقيل: إنها أندلسية.

وكانت من المتّقيات الثقاة.

وكانت الملائكة تحرسها، كما في الحديث الشريف(3).

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) يرسلها مع اُمّ فروة لقضاء حقوق أهل المدينة.

وكانت من أشراف العجم(4).

قصة زواجها

وقصة زواج السيدة حميدة (عليها السلام) بالإمام الصادق (عليه السلام) تتضمّن كرامات عديدة، حيث ورد أنّ ابن عكاشة بن محصن الأسدي دخل على أبي جعفر(عليه السلام)، وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قائماً عنده، فقدّم إليه عنباً، فقال: حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير، وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لايشبع، وكله حبّتين حبّتين فإنه يستحب.

فقال لأبي جعفر (عليه السلام): لأي شيء لا تزوّج أبا عبد الله (عليه السلام)، فقد أدرك التزويج؟

قال: وبين يديه صرّة مختومة.

فقال: سيجيء نخّاس(5) من أهل بربر فينزل دار ميمون فنشتري لـه بهذه الصرّة جارية.

قال: فأتى لذلك ما أتى.

فدخلنا يوماً على أبي جعفر (عليه السلام)، فقال: «ألا اُخبركم عن النخّاس الذي ذكرته لكم؟ قد قدم، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية».

قال: فأتينا النخّاس، فقال: قد بعت ما كان عندي، إلاّ جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الاُخرى.

قلنا: فأخرجهما حتى ننظر إليهما، فأخرجهما.

فقلنا: بكم تبيع هذه الجارية المتماثلة؟

قال: بسبعين ديناراً.

قلنا: أحسن.

قال: لا أنقص من سبعين ديناراً.

قلنا: نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت ولا ندري ما فيها، وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال: فكّوا وزنوا.

فقال: النخّاس: لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين ديناراً لم اُبايعكم.

فقال الشيخ: ادنوا.

فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون ديناراً لا تزيد ولا تنقص.

فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر (عليه السلام) قائم عنده، فأخبرنا أبا جعفر (عليه السلام) بما كان.

فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال لها: ما اسمك؟

قالت: حميدة.

فقال: حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة، أخبريني عنك، أبكر أنت أم ثيّب؟

قالت: بكر.

قال: وكيف ولا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه؟

فقالت: قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرجل من المرأة فيسلّط الله عليه رجلاً أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتّى يقوم عنّي، ففعل بي مراراً، وفعل الشيخ به مراراً.

فقال (عليه السلام): يا جعفر خذها إليك، فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر(عليه السلام)(6).

المولود المبارك

عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «حميدة مصفّاة من الأدناس كسبيكة الذهب، ما زالت الأملاك تحرسها، حتى أدّت إليّ كرامة من الله لي، والحجّة من بعدي»(7).

وعن أبي بصير قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(عليه السلام)، فلمّا نزلنا الأبواء، وضع لنا أبو عبد الله (عليه السلام) الغداء ولأصحابه، وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول حميدة: أنّ الطلق قد ضربني، وقد أمرتني أن لا أسبقك بابنك هذا.

فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فرحاً مسروراً، فلم يلبث أن عاد إلينا حاسراً عن ذراعيه، ضاحكاً سنُّه.

فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك ما صنعت حميدة؟

فقال: «وهب الله لي غلاماً، وهو خير مَن برأ الله (أي خلق الله من العدم) ولقد خبّرتني بأمر كنت أعلم به منها».

قلت: جعلت فداك وما خبّرتك عنه حميدة؟

قال: «ذكرت أنه لمّا وقع من بطنها، وقع واضعاً يديه على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، فأخبرتها أنّ تلك أمارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأمارة الإمام (عليه السلام) من بعده(8)، الحديث.

وفي رواية أخرى:

عن أبي بصير قال: حججنا مع أبي عبد الله (عليه السلام) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى (عليه السلام) فلما نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء وكان إذا وضع الطعام لأصحابه أكثر وأطاب، قال: فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة فقال له: إن حميدة تقول: قد أنكرت نفسي وقد وجدت ما كنت أجد إذا حضرت ولادتي وقد أمرتني أن لا أستبقك بابنك هذا.

فقام أبو عبد الله (عليه السلام) فانطلق مع الرسول.

فلما انصرف قال لـه أصحابه: سرك الله وجعلنا فداك فما أنت صنعت من حميدة؟

قال: «سلمها الله وقد وهب لي غلاما وهو خير من برأ الله في خلقه، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنت أني لا أعرفه ولقد كنت أعلم به منها».

فقلت: جعلت فداك وما الذي أخبرتك به حميدة عنه؟

قال: ذكرت أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن ذلك أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده.

فقلت: جعلت فداك وما هذا من أمارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأمارة الوصي من بعده؟

فقال لي: «إنه لما كانت الليلة التي علق فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من الماء وألين من الزبد وأحلى من الشهد وأبرد من الثلج وأبيض من اللبن فسقاه إياه وأمره بالجماع، فقام فجامع فعلق بجدي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتى آت جدي فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره فقام فجامع فعلق بأبي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم وأمره بالذي أمرهم به فقام فجامع فعلق بي، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي كما فعل بهم، فقمت بعلم الله وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود، فدونكم فهو والله صاحبكم من بعدي، إن نطفة الإمام مما أخبرتك، وإذا سكنت النطفة في الرحم أربعة أشهر وأنشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال لـه حيوان فكتب على عضده الأيمن (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم((9) وإذا وقع من بطن أمه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأما وضعه يديه على الأرض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السماء إلى الأرض، وأما رفعه رأسه إلى السماء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة من الأفق الأعلى باسمه واسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان اثبت تثبت فلعظيم ما خلقتك أنت صفوتي من خلقي وموضع سري وعيبة علمي وأميني على وحيي وخليفتي في أرضي، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ومنحت جناني وأحللت جواري، ثم وعزتي وجلالي لأصلين من عاداك أشد عذابي وإن وسعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السماء يقول: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم((10)».

قال: «فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الأول والعلم الآخر واستحق زيارة الروح في ليلة القدر».

قلت: جعلت فداك الروح ليس هو جبرئيل؟

قال: الروح هو أعظم من جبرئيل، إن جبرئيل من الملائكة وإن الروح هو خلق أعظم من الملائكة، أليس يقول الله تبارك وتعالى: (تنزل الملائكة والروح((11)»(12).

بخ بخ لك

وقالوا: لما ولد موسى بن جعفر (عليه السلام) دخل أبو عبد الله (عليه السلام) على حميدة البربرية أم موسى (عليه السلام) فقال لها: «يا حميدة بخ بخ حل الملك في بيتك»(13).

راعيتها لزوجها

وكانت السيدة حميدة مهتمة برعاية زوجها الإمام الصادق (عليه السلام).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ولقد آذاني أكل الخل والزيت حتى إن حميدة أمرت بدجاجة مشوية فرجعت إلي نفسي»(14).

أولادها

وقد رزقها الله من الإمام الصادق (عليه السلام)، مضافاً إلى الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام): إسحاق ومحمد وفاطمة(15).

فقهها

كانت السيدة حميدة فقيهة بمذهب أهل البيت (عليهم السلام)وكان الإمام الصادق(عليه السلام) يرجع النساء إليها في تعلم الأحكام الشرعية والسؤال عن المسائل الفقهية وما أشبه.

عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: إن معنا صبيا مولوداً فكيف نصنع به؟

فقال (عليه السلام): «مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها».

فأتتها فسألتها كيف تصنع؟

فقالت: (إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن تطوف به بين الصفا والمروة)(16).

روايتها

وكانت السيدة حميدة (عليها السلام) من رواة أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

روى أبو بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثم قال: «اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة» قالت: فما تركنا أحداً إلا جمعناه، فنظر إليهم ثم قال: «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة»(17).

وفي حديث آخر: قال (عليه السلام): «إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة ولم يرد علينا الحوض من يشرب من هذه الأشربة» فقال لـه بعضهم: أي أشربة هي؟ فقال: «كل مسكر»(18).

تزويج ابنها

كانت السيدة حميدة (عليها السلام) ذات مكانة عالية عند أهل البيت (عليهم السلام)، وقد اهتمت بأمر تزويج ولدها الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وهي التي اشترت السيدة نجمة (تكتم) والدة الإمام الرضا (عليه السلام) لولدها وزوجته منه بأمر الإمام الصادق(عليه السلام)، بل بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أيضاً.

عن علي بن ميثم عن أبيه قال: (لما اشترت حميدة أم موسى بن جعفر (عليه السلام) أم الرضا (عليه السلام) نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لها: «يا حميدة هي نجمة لابنك موسى، فإنه سيولد لـه منها خير أهل الأرض» فوهبتها له، فلما ولدت لـه الرضا (عليه السلام) سماها الطاهرة، وكانت لها أسماء منها: نجمة وأروى وسكن وسمان وتكتم وهو آخر أساميها)(19).

وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) عن عون بن محمد الكندي قال: سمعت أبا الحسن علي بن ميثم يقول: ما رأيت أحداً قط أعرف بأمر الأئمة (عليهم السلام)وأخبارهم ومناكحهم منه، قال: اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وكانت من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها، فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا، فلما ولدت لـه الرضا ع سماها الطاهرة)(20).

بكاؤها على زوجها

وقد بكت السيدة حميدة على زوجها في وفاته وكلما كانت تذكره، كما مر في رواية أبي بصير قال: (دخلت على أم حميدة أعزيها بأبي عبد الله (عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها)(21).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الكافي: ج1 ص476 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ضمن ح1.

(2) الكافي: ج1 ص477 ح2.

(3) الكافي: ج1 ص477 ح2.

(4) انظر بحار الأنوار: ج49 ص4 ب1.

(5) النخّاس: بائع الرقيق، (لسان العرب) مادّة نخس.

(6) الكافي: ج1 ص477 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) ح1.

(7) الكافي: ج1 ص477 ح2.

(8) بصائر الدرجات: ص440 ب12 ح4.

(9) سورة الأنعام: 115.

(10) سورة آل عمران: 18.

(11) سورة القدر: 4.

(12) الكافي: ج1 ص385 باب مواليد الأئمة ? ح1.

(13) بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.

(14) وسائل الشيعة: ج25 ص47 ب16 ح31133.

(15) بحار الأنوار: ج48 ص7 ب1ضمن ح10.

(16) وسائل الشيعة: ج11 ص286 ب17 ح14817.

(17) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.

(18) مستدرك الوسائل: ج17 ص57 ب11 ح20738.

(19) بحار الأنوار: ج49 ص7 ب1 ح8.

(20) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص14 ب2 ح2.

(21) وسائل الشيعة: ج4 ص26 ب6 ح4423.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:05 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الى حلقة جديدة

- الحلقة التاسعة -

السيدة تكتم الطاهرة (عليها السلام) والدة الإمام الرضا (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة الجليلة نجمة (عليها السلام) والدة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .

ومن أسمائها: (تكتم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح التاء الفوقانية قبل الميم. و(طاهرة) و(أروى) و(سكن النوبية) و(سمان).

وقيل: (خيزران المرسية)، وقيل: (صقر)، وقيل: (شقراء النوبية).

كنيتها: أم البنين(1).

من فضائلها

روى الشيخ الصدوق(قدس سره) في العيون:

تسمّى باسمها حين ملكها أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وهي اُمّ ولده الإمام الرضا (عليه السلام)، كانت من أشراف العجم، جارية مولدة، وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها (حميدة المصفّاة) حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.

فقالت لابنها موسى (عليه السلام): يا بني، إنّ تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها، ولست أشك أنّ الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك، فاستوص خيراً بها، فلمّا ولدت لـه الرضا (عليه السلام) سمّاها الطاهرة(2).

إن الله أمر بشرائها

روي عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) أنه قال: «والله ما اشتريت هذه الأمة إلاّ بأمر الله ووحيه».

فسئل عن ذلك؟

فقال: «بينا أنا نائم، إذ أتاني جدّي وأبي، ومعهما شقّة(3) حرير، فنشراها، فإذا قميص فيه صورة هذه الجارية، فقال: يا موسى، ليكوننّ من هذه الجارية خير أهل الأرض، ثم أمرني إذا ولدته أن اُسمّيه علياً، وقالا: إنّ الله تعالى يظهر به العدل والرأفة، طوبى لمن صدّقه، وويل لمن عاداه وجحده وعانده»(4).

ويستفاد من هذه الأخبار أنّ الجاريات اُمّهات الأئمة الأطهار (عليهم السلام)إنما يشترين بأمر الله تعالى، ولعلّ السرّ في ذلك هو إرادته سبحانه ـ بالإضافة إلى طهارتهنّ ـ إظهار أنه لا فرق بين الحرّة والأمة من هذه الجهة.

الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يأمر بالزواج الطاهر

روي أنّ حميدة اُمّ موسى بن جعفر (عليه السلام) لمّا اشترت نجمة رأت في المنام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول لها: يا حميدة، هبي نجمة لابنك موسى (عليه السلام) فإنه سيلد لـه منها خير أهل الأرض فوهبتها له(5).

قال علي بن ميثم: سمعت أبي يقول: سمعت أمي تقول: كانت نجمة بكراً لما اشترتها حميدة.

عند ما حملت بالنور

روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن نجمة (عليها السلام) اُمّ الإمام الرضا (عليه السلام) أنّها قالت:

لمّا حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهوّلني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.

فلمّا وضعته، وقع على الأرض واضعاً يده على الأرض، رافعاً رأسه إلى السماء، يحرّك شفتيه كأنه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر (عليه السلام)، فقال لي: «هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربّك».

فناولته إيّاه في خرقة بيضاء، فأذّن في اُذنه الأيمن وأقام في الأيسر، ودعا بماء الفرات فحنّكه، ثم ردّه إليّ، فقال: «خذيه فإنه بقية الله في أرضه»(6).

ولدت السيدة نجمة (عليها السلام) ولدها الطاهر الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يوم الجمعة بالمدينة المنورة، وقيل: يوم الخميس، لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة، بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) بخمس سنين، رواه ابن بابويه، وقيل: سنة إحدى وخمسين ومائة(7).

في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

تولت السيدة الجليلة حميدة (عليها السلام) والدة الإمام الكاظم (عليه السلام) بتربية وتعليم السيدة نجمة (عليها السلام) حتى تعلمت الكثير من علوم آل محمد (عليهم السلام)، كما تربت وتعلمت من زوجها الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).

قمة الأدب

كانت السيدة نجمة (عليها السلام) في قمة الأخلاق والأدب الإسلامي، وكانت أسوة حسنة للنساء في ذلك.

فقد ورد:

(أن تكتم كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها)(8).

ـــــــــــــــــــــــ

(1) بحار الأنوار: ج49 ص3 ب1.

(2) راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص14 ح1-2.

(3) الشقّة: القطعة، (لسان العرب) مادّة شقق.

(4) دلائل الإمامة: ص175.

(5) إعلام الورى: ص314 ب7 فصل1.

(6) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص20 ب3 ح2.

(7) انظر المناقب: ج4 ص366.

(8) راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج1 ص13 ب2.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:06 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
- الحلقة العاشرة -

السيّدة سبيكة (عليها السلام) والدة الإمام محمّد بن علي الجواد (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة سبيكة النوبية (عليها السلام) والدة الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام).

ومن أسمائها أيضاً: (درة) و(خيزران) و(ريحانة).

وقيل: (سكينة).

كنيتها: (أم الحسن).

ذكر الشيخ الكليني: أنّ اُمّ الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) هي اُمّ ولد يقال لها: سبيكة نوبية.

وروى: أنها (عليها السلام) كانت من أهل بيت مارية القبطية اُمّ إبراهيم ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

وفي البحار: واُمّه اُمّ ولد تدعى (درّة) وكانت مرّسيّة أو مريسية(2) ثم سمّاها الرضا (عليه السلام) : (خيزران)(3).

من فضائلها

كانت السيدة سبيكة (عليها السلام) من أفضل نساء زمانها، وقد أشار إليها النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)بقوله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيّبة»(4).

المعصوم (عليه السلام) يبلغها السلام

وفي خبر يزيد بن سليط، وملاقاته للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في طريق مكة المكرمة وهم يريدون العمرة:

قال الإمام أبو إبراهيم موسى الكاظم (عليه السلام):

«إني اُؤخذ في هذه السنة، والأمر إلى ابني علي، سميّ علي وعلي.

فأمّا علي الأول فعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

وأمّا علي الآخر فعلي بن الحسين (عليه السلام).

اُعطي فهم الأول وحكمته وبصره وودّه ودينه ومحنته.

ومحنة الآخر وصبره على ما يكره وليس لـه أن يتكلّم إلاّ بعد موت هارون بأربع سنين».

ثم قال: «يا يزيد، فإذا مررت بهذا الموضع ولقيته وستلقاه، فبشّره أنه سيولد لـه غلام أمين مأمون مبارك وسيعلمك أنّك لقيتني، فأخبره عند ذلك أنّ الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية أهل بيت مارية القبطية(5) جارية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن قدرت أن تبلغها منّي السلام فافعل ذلك»(6).

عند ولادة النور

روى ابن شهرآشوب عن حكيمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)، قالت:

لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر (عليه السلام)، دعاني الرضا (عليه السلام)، فقال لي: «يا حكيمة، احضري ولادتها وأخلني وإيّاها والقابلة بيتاً» ووضع لنا مصباحاً وأغلق الباب علينا.

فلمّا أخذها الطلق(7) طفي المصباح وبين يديها طست، فاغتمّت بطفي المصباح، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر (عليه السلام) في الطست وإذ عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى أضاء البيت فأبصرناه.

فأخذته فوضعته في حجري ونزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا (عليه السلام) ففتح الباب وقد فرغنا من أمره، فأخذه فوضعه في المهد وقال لي: «يا حكيمة، إلزمي مهده».

قالت: فلمّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء، ثم نظر يمينه ويساره ثم قال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله».

فقمت ذعرة(8) فزعة، فأتيت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت: سمعت من هذا الصبي عجباً.

فقال: «وما ذاك»؟

فأخبرته الخبر.

فقال: «يا حكيمة، ما ترون من عجائبه أكثر»(9).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي: ج1 ص492 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الثاني (عليه السلام).

(2) مريسة ـ بتشديد الراء ـ على وزن سكينة، قرية بمصر وولاية من ناحية الصعيد.

(3) راجع بحار الأنوار: ج50 ص13 ح12.

(4) راجع كشف الغمّة: ج2 ص351.

(5) القبط: أهل مصر ونسبت إليهم قبطية، كتاب (العين) مادّة قبط.

(6) إعلام الورى: ص319 الفصل2.

(7) الطلق: وجع الولادة، (لسان العرب) مادّة طلق.

(8) الذعر: الخوف والفزع، (لسان العرب) مادّة ذعر.

(9) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص395.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:06 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


الحلقة الحادية عشرة

السيّدة سمانة المغربية (عليها السلام) والدة الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة سمانة المغربية (عليها السلام) ، والدة الإمام علي الهادي (عليه السلام)

ومن أسمائها: (سوسن) و (منفرشة المغربية).

كنيتها: (أم الحسن) و(أم الفضل).

فضائلها

كانت (عليها السلام) من أفضل نساء زمانها.

وقد تولّى الإمام الجواد (عليه السلام) تربيتها وتهذيبها، فأقبلت على طاعة الله وعبادته، وكانت من القانتات المتهجّدات، والتاليات لكتاب الله، وكانت من التقوى والورع بحيث لا يقربها شيطان مارد.

روي عن أبي الحسن الهادي (عليه السلام) أنه قال:

«اُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة(1) بعين الله التي لا تنام، ولا تختلف عن اُمّهات الصدّيقين والصالحين»(2).

الزواج المبارك

روى محمد بن الفرج بن إبراهيم قال: دعاني أبو جعفر محمّد بن علي(عليه السلام) فأعلمني أنّ قافلة قد قدمت وفيها نخّاس ومعه جوار، ودفع إليّ سبعين ديناراً، وأمرني بابتياع جارية وصفها لي، فمضيت وعملت بما أمرني، فكانت الجارية اُمّ أبي الحسن(عليه السلام)(3).

المولود الطاهر

ولدت السيدة سمانة (عليها السلام) مولودها الطاهر الإمام الهادي (عليه السلام) في المدينة المنورة، وقيل في بصريا(4) من يثرب(5) في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة، أو الثاني من رجب، سنة مائتين واثنتي عشرة، وقيل: في الثالث من شهر رجب عام مائتين وأربع عشرة للهجرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مكلوءة: محفوظة ومحروسة.

(2) دلائل الإمامة: ص216.

(3) دلائل الإمامة: ص216.

(4) بصريا: قرية أسّسها الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) تبعد عن المدينة المنورة بثلاثة أميال. المناقب: ج4 ص382.

(5) بحار الأنوار: ج50 ص115 ب1 ح4.


-
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:07 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
الحلقة الثانية عشرة
السيّدة حديث (عليها السلام) والدة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

نسبها

هي السيدة (حُديث) (عليها السلام) والدة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) .

ومن أسمائها: (سُليل) و(جدة).

وقيل: (سمانة)، وقيل: (سوسن).

من فضائلها

كانت (عليها السلام) من العارفات الصالحات، وكفى في فضلها أنها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة أبي محمد العسكري (عليه السلام) .

فقد روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اُخت أبي الحسن صاحب العسكر (عليهم السلام)في سنة اثنتي وستين ومائتين، فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمّت لي من تأتم بهم.

ثم قالت: والحجة بن الحسن بن علي (عليه السلام) فسمته.

فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبراً؟

فقالت: خبراً عن أبي محمّد (عليه السلام) كتب به إلى اُمّه.

فقلت لها: فأين الولد؟

فقالت: مستور.

فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟

فقالت: إلى الجدة اُم أبي محمد (عليه السلام).

فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى امرأة؟

فقالت: اقتداء بالحسين بن علي(عليه السلام)، فإنّ الحسين بن علي (عليه السلام) أوصى إلى اُخته زينب بنت علي (عليها السلام) في الظاهر، فكان ما يخرج عن علي بن الحسين (عليه السلام) من علم ينسب إلى زينب (عليها السلام) ستراً على علي بن الحسين (عليه السلام)(1).

وقد أثنى عليها الإمام الهادي (عليه السلام) وأشاد بمكانتها وسمو منزلتها وكراماتها، فقال (عليه السلام):

«سليل ـ وهو اسمها ـ مسلولة من الآفات والأرجاس والأنجاس».

وروي عن العالم (عليه السلام) أنه لمّا دخلت سُلَيْل اُمّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على الإمام الهادي (عليه السلام) قال: «سُلَيْل سلّت من كل آفة وعاهة، ومن كل رجس ونجاسة، ثم قال: لا تلبثين حتى يعطيك الله عزّوجلّ حجّته على خلقه الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».

المولود الطاهر

روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في بحاره: أنه كان مولد أبي محمد (عليه السلام) بالمدينة في شهر ربيع الأول سنة ثلاثين ومائتين واُمّه اُمّ ولد يقال لها حديثة(2).

ـــــــــــــــــــــ

(1) كمال الدين: ج2 ص507 ب45.

(2) بحار الأنوار: ج50 ص235 ح2.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

: حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام Empty رد: : حلقات في أمهات المعصومين عليهم السلام

مُساهمة من طرف ابومهندالسلامي النجفي الثلاثاء أبريل 24, 2018 4:09 am

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين

الحلقة الأخيرة من كتاب " أمهات المعصومين " لسماحة الإمام السيد محمد الشيرازي الراحل ( أعلى الله درجاته )


- الحلقة الثالثة عشرة -

السيّدة نرجس (عليها السلام) والدة الإمام المهدي المنتظر

نسبها

هي السيدة نرجس (عليها السلام) بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح (عليه السلام).

ومن أسمائها أيضاً: (مليكة) و(صقيل) و(سوسن) و(ريحانة) و(مريم).

وقيل: (حكيمة)، وقيل: (خمط).

ولكن أشهر أسمائها: (نرجس).

وكنيتها: اُمّ محمد.

الإمام الهادي (عليه السلام) يأمر بشرائها

روى بشر بن سليمان النخّاس، وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن الهادي (عليه السلام) وأبي محمد العسكري (عليه السلام) وجارهما بسرّ من رأى، قال:

كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (عليه السلام) فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلاّ بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتى كمُلت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى، وقد مضى هويّ(1) من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فإذا أنا بكافور الخادم، رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يدعوني إليه.

فلبست ثيابي ودخلت عليه، فرأيته يحدّث أبنه أبا محمد (عليه السلام) واُخته حكيمة (عليها السلام) من وراء الستر.

فلمّا جلست قال: يا بشر، إنك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم، يرثها خلف عن سلف، فأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مُزكّيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شأو(2) الشيعة في الموالاة بها: بسرّ اُطلعك عليه، واُنفذك في ابتياع أمة.

فكتب كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجّه بها إلى بغداد، وأحضر مَعْبَر(3) الفرات(4) ضَحوة كذا.

فإذا وصلت إلى جانبك السبايا، وبرزن الجواري منها، بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس، وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها، ويشغل نظره بتأمّل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخّاس، فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنها تقول: وا هتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين: عليّ بثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول بالعربية: لو برزت في زي سليمان (عليه السلام) وعلى مثل سرير ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق على مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة، ولابدّ من بيعك؟.

فتقول الجارية: وما العجلة؟ ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى أمانته وديانته.

فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخّاس وقل له: إنّ معي كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف، كتبه بلغة رومية وخطّ رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاؤه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخّاس: فامتثلت جميع ما حَدِّه(5) لي مولاي أبو الحسن (عليه السلام) في أمر الجارية.

فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة(6) المغلّظة أنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقرّ الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عليه السلام) من الدنانير في الشستقة (أي الصرّة) الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد.

أنا مليكة

فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها (عليه السلام) من جيبها وهي تلثمه(7) وتضعه على خدّها، وتُطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجّباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟

قالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء (عليهم السلام)، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك.

أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم.

واُمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح (عليه السلام) شمعون.

اُنبّئك العجب العجيب: إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من اُمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر، فرفعه فوق أربعين مرقاة(8).

فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفاً(9)، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت(10) الأعمدة فانهارت إلى القرار.

وخرّ الصاعد من العرش مغشيّاً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي: أيها الملك، اُعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.

فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر(11) المنكوس جدّه لاُزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً، ودخل قصره، واُرخيت الستور.

الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها من عيسى(عليه السلام)

فرأيت في تلك الليلة كأنّ المسيح (عليه السلام) والشمعون وعدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري(12) السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)مع فتية وعدّة من بنيه، فيقوم إليه المسيح (عليه السلام) فيعتنقه، فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): يا روح الله إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمد (عليه السلام) صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح (عليه السلام) إلى شمعون، فقال له: قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال: قد فعلت.

فصعد ذلك المنبر وخطب محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)وزوّجني منه، وشهد المسيح (عليه السلام) وشهد بنو محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)والحواريون.

فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها في نفسي ولا اُبديها لهم.

الإفراج عن أسرى المسلمين

وضرب صدري بمحبة أبي محمد (عليه السلام) حتى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودقّ شخصي، ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلاّ أحضره جدّي وسأله عن دوائي.

فلمّا برح به اليأس قال: يا قرّة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فاُزودكها في هذه الدنيا؟

فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومننتهم بالخلاص، لرجوت أن يهب المسيح واُمّه (عليهما السلام) لي عافية وشفاءً.

فلمّا فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسرّ بذلك جدّي، وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم.

إسلامها

فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأنّ سيدة النساء (عليها السلام) قد زارتني ومعها مريم بنت عمران (عليها السلام) وألف وصيفة(13) من وصائف الجنان، فتقول لي مريم: هذه سيدة نساء العالمين، واُمّ زوجك أبي محمد (عليه السلام).

فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد (عليه السلام) من زيارتي.

فقالت لي سيدة النساء (عليها السلام): إنّ ابني (عليه السلام) لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى، وهذه اُختي مريم (عليها السلام) تبرأ إلى الله تعالى من دينك، فإنّ ملت إلى رضى الله عزّوجلّ ورضى المسيح ومريم (عليهما السلام) عنك وزيارة أبي محمد (عليه السلام) إيّاك فقولي:

(رحمه الله)أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ أبي محمّداً رسول الله(.

فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء (عليها السلام) إلى صدرها، فطيّبت لي نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمد (عليه السلام) إيّاك فإني منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمد.

في لقاء الحبيب

فلمّا كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمد (عليه السلام) في منامي، فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبك؟

فقال: ما كان تأخيري عنك إلاّ لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان.

فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قصة الأسر

قال بشر: فقلت لها: كيف وقعت في الأسر؟

فقالت: أخبرني أبو محمد (عليه السلام) ليلة من الليالي إنّ جدّك سيسرب(14) جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثم يتبعهم، فعليك اللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت، فوقعت علينا طلائع المسلمين حتى كان من أمري ما رأيت وشاهدت، وما شعر أحد بي بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك بإطّلاعي إيّاك عليه.

ولقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت: نرجس.

فقال: اسم الجواري.

رومية تتكلم بالعربية

فقلت: العجب إنك رومية ولسانك عربي؟

قالت: بلغ من ولوع(15) جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانه في الاختلاف إليّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمرّ عليها لساني واستقام.

البشرى بشرف الأبد

قال بشر: فلمّا انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكري (عليه السلام)، فقال لها: كيف أراك الله عزّ الإسلام وذلّ النصرانية وشرف أهل بيت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قالت: كيف أصف لك يا بن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ما أنت أعلم به منّي؟

قال: فإنّي اُريد أن اُكرمك، فإيّما أحب إليك: عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك بشرف الأبد؟

قالت: بل البشرى.

قال (عليه السلام) : فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

قالت: ممّن؟

قال (عليه السلام): ممّن خطبك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لـه من ليل كذا من شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.

قالت: من المسيح (عليه السلام) ووصيّه.

قال: ممّن زوّجك المسيح (عليه السلام) ووصيّه؟

قالت: من ابنك أبي محمد (عليه السلام).

قال: فهل تعرفينه؟

قالت: وهل خلوت ليلة من زيارته إيّاي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء، اُمّه؟

علميها الفرائص والسنن

فقال أبو الحسن الهادي (عليه السلام): يا كافور اُدع لي اُختي حكيمة (عليها السلام).

فلمّا دخلت عليه قال لها: ها هيه.

فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً.

فقال لها مولانا (عليه السلام): يا بنت رسول الله اخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد (عليه السلام) واُمّ القائم (عليه السلام)(16).

في ليلة النصف من شعبان

روت السيّدة حكيمة (عليها السلام) بنت أبي جعفر الجواد (عليه السلام) وقالت: بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة(عليه السلام)، وهو حجّته في أرضه.

قالت: فقلت له: ومن اُمه؟

قال لي: نرجس؟

قلت له: والله جعلني الله فداك ما بها أثر.

فقال: هو ما أقول لك.

قالت: فجئت فلمّا سلّمت وجلست، جاءت تنزع بخفي وقالت لي: يا سيدتي كيف أمسيت؟

فقلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟

قالت: فقلت لها: يا بنية إنّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت.

فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة وأخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليست بها حادثة، ثم جلست معقّبة، ثم اضطجعت، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت وصلّت ونامت.

قالت السيّدة حكيمة (عليها السلام): وخرجت أتفقّد الفجر وإذا بالفجر الأول كذبه السرحان وهي نائمة.

قالت السيّدة حكيمة(عليها السلام): فدخلتني الشكوك.

فصاح بي أبو محمد (عليه السلام) من المجلس، فقال: لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب.

وقالت: فجلست فقرأت (ألم السجدة( و(يس(، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثم قلت لها: تحسّين شيئاً؟

قالت: نعم يا عمّة.

فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.

قال السيّدة حكيمة (عليها السلام): ثم أخذتني فترة وأخذتها فترة، فتنبّهت بحس سيدي، فكشفت الثوب عنه، فإذا أنا به (عليه السلام) ساجد على أرض يتلقّى بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به (عليه السلام) نظيف منظّف.

فصاح بي أبو محمد (عليه السلام): هلمّي إليّ ابني يا عمّة.

فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته وظهره، ووضع قدميه على صدره، ثم أدلى لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلّم يا بني.

فقال(عليه السلام): أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)عبده ورسوله، ثم صلّى على أمير المؤمنين (عليه السلام) وعلى الأئمّة (عليهم السلام)إلى أن وقف على أبيه ثم أحجم(17).

قال أبو محمد (عليه السلام): يا عمّة، اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها، وائتني به.

فذهبت به، فسلّم عليها ورددته ووضعته في المجلس.

ثم قال: يا عمّة، إذا كان اليوم السابع فأتنا.

قالت السيّدة حكيمة: فلمّا أصبحت جئت لاُسلّم على أبي محمد (عليه السلام)، وكشفت الستر لأتفقّد سيدي، فلم أره، فقلت له: جعلت فداك، ما فعل سيدي؟

فقال: يا عمّة، استودعناه الذي استودعته اُمّ موسى (عليه السلام).

قالت السيّدة حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع، جئت وسلّمت وجلست.

فقال (عليه السلام): هلمّي إليّ ابني، فجئت بسيدي وهو في الخرقة، ففعل به ما فعل في الاُولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلّم يا بنيّ.

فقال: «أشهد أن لا إله إلاّ الله، وثنى بالصلاة على محمد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) حتى وقف على أبيه (عليه السلام) ثم تلا هذه الآية:

بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ((18)»(19).

السيدة صقيل

وقد ذكر المحدث القمّي (رحمه الله): إنّ اُمّ الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعلى آبائه ما توالت الأزمان)، هي مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، واُمّها من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون وصي المسيح(عليه السلام) ولما اُسرت سمّت نفسها نرجس، لئلاّ يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه، ولمّا اعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سمّيت صقيلا (20).

ليلة الميلاد

روي الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب (الغيبة) قصة الميلاد المبارك كالتالي:

عن السيّدة حكيمة (عليها السلام) بنت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) أنها قالت: بعث أبو محمد (عليه السلام) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان قال: يا عمّة اجعلي الليلة إفطارك عندي فإنّ الله عزّوجلّ سيسرّك بوليّه وحجّته على خلقه خليفتي من بعدي.

قالت حكيمة: فتداخلني لذلك سرور شديد وأخذت ثيابي عليّ وخرجت من ساعتي حتى انتهيت إلى أبي محمد (عليه السلام) وهو جالس في صحن داره وجواريه حوله، فقلت: جعلت فداك يا سيدي، الخلف ممّن هو؟

قال: من سوسن.

فأدرت طرفي فيهنّ فلم أر جارية عليها أثر غير سوسن.

قالت حكيمة: فلمّا أن صلّيت المغرب والعشاء الآخرة أتيت بالمائدة فأفطرت أنا وسوسن وبايتّها في بيت واحد.

فغفوت غفوة، ثم استيقظت، فلم أزل مفكّرة فيما وعدني أبو محمد (عليه السلام) من أمر ولي الله (عليه السلام)، فقمت قبل الوقت الذي كنت أقوم في كل ليلة للصلاة، فصلّيت صلاة الليل حتى بلغت إلى الوتر، فوثبت سوسن فزعة، وخرجت فزعة، وأسبغت الوضوء ثم عادت، فصلّت صلاة الليل وبلغت الوتر، فوقع في قلبي أنّ الفجر قد قرب، فقمت لأنظر فإذا بالفجر الأول قد طلع، فتداخل قلبي الشك من وعد أبي محمد (عليه السلام) فناداني من حجرته: لا تشكّي وكأنّك بالأمر الساعة قد رأيته إن شاء الله تعالى.

قالت السيّدة حكيمة: فاستحييت من أبي محمد (عليه السلام) وممّا وقع في قلبي، ورجعت إلى البيت وأنا خجلة، فإذا هي قد قطعت الصلاة وخرجت فزعة فلقيتها على باب البيت فقلت: بأبي أنت واُمّي هل تحسّين شيئاً؟

فقالت: نعم يا عمّة إنّي لأجد أمراً شديداً.

قلت: لا خوف عليك إن شاء الله تعالى.

وأخذت وسادة فألقيتها في وسط البيت وأجلستها عليها وجلست منها حيث تقعد المرأة من المرأة للولادة، فقبضت على كفّي وغمزت غمزة شديدة، ثم أنّت أنّة وتشهّدت، ونظرت تحتها فإذا أنا بولي الله (صلّى الله عليه) متلقّياً الأرض بمساجده، فأخذت بكتفيه فأجلسته في حجري فإذا هو نظيف مفروغ منه.

فناداني أبو محمّد (عليه السلام): يا عمّة هلمّي فأتيني بابني.

فأتيته به فتناوله وأخرج لسانه فمسحه على عينيه ففتحها، ثمّ أدخله في فيه فحنّكه ثمّ أدخله في اُذنيه وأجلسه في راحته اليسرى، فاستوى وليّ الله (عليه السلام) جالساً فمسح يده على رأسه وقال له: يا بني انطق بقدرة الله.

فاستعاذ وليّ الله (عليه السلام) من الشيطان الرجيم واستفتح بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ ( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ((21)، وصلّى على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلى أمير المؤمنين والأئمّة (عليهم السلام)واحداً واحداً حتّى انتهى إلى أبيه.

فناولنيه أبو محمّد (عليه السلام) وقال: يا عمّة ردّيه إلى اُمّه حتّى (تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ((22).

فرددته إلى اُمّه وقد انفجر الفجر الثاني فصلّيت الفريضة وعقّبت إلى أن طلعت الشمس، ثمّ ودّعت أبا محمّد (عليه السلام) وانصرفت إلى منزلي.

فلمّا كان بعد ثلاث اشتقت إلى ولي الله (عليه السلام) فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها فلم أر أثراً ولا سمعت ذكراً فكرهت أن أسأل.

فدخلت على أبي محمد (عليه السلام) فاستحييت أن أبدأ بالسؤال فبدأني، فقال: هو يا عمّة في كنف الله وحرزه وستره وغيبه حتى يأذن الله له، فإذا غيّب الله شخصي وتوفّاني ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثقات منهم وليكن عندك وعندهم مكتوماً، فإنّ ولي الله يغيّبه الله عن خلقه، ويحجبه عن عباده فلا يراه أحد حتى يقدم لـه جبرائيل (عليه السلام) فرسه(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً((23)،(24).

إرهاصات الولادة

قالت السيدة حكيمة (عليها السلام): قرأت على أمه نرجس وقت ولادته: التوحيد والقدر وآية الكرسي فأجابني من بطنها بقراءتي، ثم وضعته ساجدا إلى القبلة، فأخذه أبوه وقال: «انطق بإذن الله».

فتعوذ (عليه السلام) وسمى وقرأ: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض( الآيتين(25) وصلى على محمد وعلي وفاطمة والأئمة واحدا واحدا باسمه إلى آخرهم، وكان مكتوبا على ذراعه الأيمن: (جاءَ الْحَقُّ وزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً((26)،(27).

وأسند الشيخ أبو جعفر (رحمه الله) إلى محمد بن علي إلى محمد بن عبد الله المطهري قال: قصدت حكيمة أسألها عن الحجة (عليه السلام) ؟

فقالت: لما حضرت نرجس الولادة، قال الحسن العسكري (عليه السلام): اقرئي عليها (إنا أنزلناه(.

فقرأت فجاوبني الجنين بمثل قراءتي وسلّم علي، ففزعت.

فقال أبو محمد (عليه السلام): لا تعجبين من أمر الله إنه منطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في الأرض كبارا.

فغيبت عني نرجس فصرخت إليه، فقال(عليه السلام): ارجعي فستجدينها، فرجعت فإذا بها عليها نور غشيني، فإذا الصبي ساجدا لوجهه، رافعا إلى السماء سبابته، ناطقا بتوحيد ربه ورسالة نبيه وإمامة آبائه إلى أن بلغ إلى نفسه وقال: «اللهم أنجز لي وعدي و أتمم لي أمري»(28).

وبعد أربعين يوماً

وقالت السيدة حكيمة (عليها السلام): دخلت على أبي محمد (عليه السلام) بعد أربعين يوما من ولادة نرجس، فإذا مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) يمشي في الدار، فلم أر لغة أفصح من لغته.

فتبسم أبو محمد (عليه السلام) فقال: «إنا معاشر الأئمة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في سنة».

قالت: ثم كنت بعد ذلك أسأل أبا محمد عنه؟

فقال: «استودعناه الذي استودعته أم موسى ولدها»(29).

زيارتها الشريفة

كانت السيدة نرجس (عليها السلام) جليلة القدر، ومتميزة بمكانة عالية عند الله عزوجل، فهي صديقة طاهرة، تقية نقية، رضية مرضية، وقد ورد في زيارتها ما يدل على علو شأنها:

السلام على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصادق الأمين.

السلام على مولانا أمير المؤمنين.

السلام على الأئمّة الطاهرين الحجج الميامين.

السلام على والدة الإمام، والمودعة أسرار الملك العلاّم، والحاملة لأشرف الأنام.

السلام عليك أيّتها الصدّيقة المرضية.

السلام عليك يا شبيهة اُمّ موسى، وابنة حواري عيسى.

السلام عليك أيّتها التقية النقية.

السلام عليك أيّتها الرضية المرضية.

السلام عليك أيّتها المنعوتة في الإنجيل، المخطوبة من روح الله الأمين، ومن رغب في وصلتها محمّد سيّد المرسلين، والمستودعة أسرار ربّ العالمين.

السلام عليك وعلى آبائك الحواريين.

السلام عليك وعلى بعلك وولدك.

السلام عليك وعلى روحك وبدنك الطاهر.

أشهد أنّك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضات الله، وصبرت في ذات الله، وحفظت سرّ الله، وحملت وليّ الله، وبالغت في حفظ حجّة الله، ورغبت في وصلة أبناء رسول الله، عارفة بحقّهم، مؤمنة بصدقهم، معترفة بمنزلتهم، مستبصرة بأمرهم، مشفقة عليهم، مؤثرة هواهم.

وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدية بالصالحين، راضية مرضية، تقية نقية، زكية، فرضي الله عنك وأرضاك، وجعل الجنّة منزلك ومأواك، فلقد أولاك من الخيرات ما أولاك، وأعطاك من الشرف ما به أغناك، فهنّاك الله بما منحك من الكرامة وأمراك»(30).

شفاعتها (عليها السلام)

ومن الشواهد الدالّة على عظم مكانتها (عليها السلام) أنّها أصبحت ملاذاً ومأوىً للمتوسّلين الذين يلتمسون شفاعتها (عليها السلام)، ففي الدعاء بعد زيارتها نقرأ:

«اللهمّ إيّاك اعتمدت، ولرضاك طلبت، وبأوليائك إليك توسّلت، وعلى غفرانك وحلمك اتّكلت، وبك اعتصمت، وبقبر اُمّ وليّك لذت، فصلّ على محمّد وآل محمّد، وانفعني بزيارتها، وثبّتني على محبّتها، ولا تحرمني شفاعتها، وشفاعة ولدها، وارزقني مرافقتها، واحشرني معها ومع ولدها، كما وفّقتني لزيارة ولدها وزيارتها، اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بالأئمّة الطاهرين، وأتوسّل إليك بالحجج الميامين، من آل طه ويس، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد الطيّبين، وأن تجعلني من المطمئنين الفائزين، الفرحين المستبشرين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واجعلني ممّن قبلت سعيه، ويسّرت أمره، وكشفت ضرّه، وآمنت خوفه، اللهمّ بحقّ محمّد وآل محمّد، صلّ على محمّد وآل محمّد، ولا تجعله آخر العهد من زيارتي إيّاها، وارزقني العود إليها، أبداً ما أبقيتني، وإذا توفّيتني فاحشرني في زمرتها، وأدخلني في شفاعة ولدها، وشفاعتها، واغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، وآتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا برحمتك عذاب النار، والسلام عليكم يا ساداتي ورحمة الله وبركاته»(31).

التوسّل بالسيّدة نرجس (عليها السلام)

ثم إنّ السيّدة نرجس (عليها السلام) هي باب من أبواب الله تعالى يقصده المحتاجون والمنكوبون فلا يعودوا إلاّ بحوائج مقضية وهموم مكشوفة بإذن الله تعالى، والشواهد على ذلك كثيرة ومنها:

ما نقل في أحوال الميرزا محمّد تقي الشيرازي(قدس سره) أنّه قد أصاب مدينة سامراء مرض الطاعون وأخذ من أهلها مأخذاً عظيماً بحيث إنّ أهالي الموتى عجزوا عن دفن موتاهم فأصبحوا يأتون بهم ويتركونهم في الشوارع آنذاك.

وفي شدّة المحنة جاء الميرزا محمّد تقي الشيرازي إلى منزل السيّد محمّد الفشاركي(قدس سره) الذي كان في منزله مع كوكبة من العلماء فدار البحث حول الوباء الذي يهدّد حياة الجميع وبينما هم على ذلك وإذا بالميرزا الشيرازي يلتفت إليهم قائلاً: إذا أصدرت حكماً فهل هو نافذ أم لا؟

فردّ الجميع: نعم إنّه نافذ ويجب إجراؤه.

فقال الميرزا: إنّي أصدرت حكماً على جميع الشيعة القاطنين في سامراء أن يقرؤوا زيارة عاشوراء من اليوم إلى عشرة أيّام ويهدوا ثوابها إلى روح السيّدة نرجس (سلام الله عليها) والدة الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ليبتعد عنهم البلاء.

فأبلغ الحاضرون حكمه ذاك لجميع الشيعة.

فشرع الموالون بقراءة الزيارة، وإذا بالطاعون يرتفع عنهم منذ قراءتهم للزيارة، بينما بقي غيرهم يموتون كالعادة حتّى تجلّى الأمر للجميع.

فسأل بعض أتباع المذاهب الاُخرى أبناء الشيعة في سامراء عن سبب ارتفاع الطاعون عنهم، فأخبروهم بالحال، فشرعوا بقراءة الزيارة وإهدائها إلى السيّدة نرجس (عليها السلام) فدفع البلاء عن الجميع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الهوي: الحين الطويل من الزمان، (لسان العرب) مادّة هوا.

(2) الشاؤ: السبق، (لسان العرب) مادّة شأي.

(3) معبر: أي الجسر الذي يعبر الناس عليه، الصراة: اسم لنهرين في بغداد، هما: الصراة الكبرى، والصراة الصغرى، ذكر ذلك ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان).

(4) الفرات: نهر عظيم مشهور يخرج من حدود الروم ثمّ يمرّ بأطراف الشام ثمّ بالكوفة ثمّ بالحلّة ثمّ يلتقي مع دجلة في البطائع ويصيران نهراً واحداً ثم يصب عند عبادان في بحر فارس. (مجمع البحرين) مادّة فرت.

(5) حدّه: ميّزه، (لسان العرب) مادّة حدّ.

(6) المحرجة: أي القسم واليمين التي تضيّق على الحالف، بحيث لا يبقى لـه مجال عن برّ قسمه، قوله (المغلّظة): أي المؤكّدة من اليمين والقسم.

(7) تلثمه: تقبله، (لسان العرب) مادّة لثم.

(8) المرقاة: الدرجة، (لسان العرب) مادّة رقو.

(9) عكف: أقبل عليه مواظباً لا يصرف عنه وجهه، (لسان العرب) مادّة عكف.

(10) تقوّضت: تفرّقت، (لسان العرب) مادّة قوض.

(11) العاثر: الكذّاب، (لسان العرب) مادّة عثر.

(12) يباري: يسابق، (مجمع البحرين) مادّة برأ.

(13) الوصيفة: الأمة، (لسان العرب) مادّة وصف.

(14) يسرب: يجري، كتاب (العين) مادّة سرب.

(15) الولوع: العلاقة، (لسان العرب) مادّة ولع.

(16) كمال الدين: ج2 ص417 ب41 ح1.

(17) أحجم: كفّ، (لسان العرب) مادّة حجم.

(18) سورة القصص: 5 ـ 6.

(19) روضة الواعظين: ج2 ص256.

(20) راجع (الأنوار البهيّة) للشيخ عبّاس القمّي: ص335.

(21) سورة القصص: 5 ـ 6.

(22) سورة القصص: 13.

(23) سورة الأنفال: 44.

(24) الغيبة للطوسي: ص234.

(25) سورة القصص: 5-6.

(26) سورة الإسراء: 81.

(27) الصراط المستقيم: ج2 ص209 ب10 القطب الرابع ح1.

(28) الصراط المستقيم: ج2 ص234 ب11 ف3.

(29) الخرائج والجرائح: ج1 ص466 ب13.

(30) بحار الأنوار: ج99 ص70-71 ب6.

(31) الدعاء والزيارة: ص942 ـ 943.
ابومهندالسلامي النجفي
ابومهندالسلامي النجفي
انت رائع


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى